هل يمكن لمساحة إلكترونية أن تكون وطناً صغيراً؟ Foto: Heifaa Atfeh
9. مايو 2022

هل يمكن لمساحة إلكترونية أن تكون وطناً صغيراً؟

إنها مجموعة على تطبيق واتساب تضمّ سيدات من مختلف الأطياف، يعتبرن تلك المجموعة وطناً لهنّ وفسحة تفتح نوافذ وأبواباً كانت مغلقة سابقاً. أنشأتها فداء إدريس المرشدة النفسية، وهي واحدة من مؤسّسي جمعية دوبامين هامبورغ للإرشاد النفسي الذين يعملون بشكل تطوّعي غير ربحي. في هذه المساحة الصغيرة والكبيرة في آن واحد، تتعلّم النساء كيف يجدنَ أنفسهنّ بمكان جديد مليء بالتحدّيات التي تبدأ بتعلّم اللغة الجديدة ولا تنتهي بالقدرة على التأقلم وشقّ طريق جديدة، سواء على الصعيد الاجتماعي أو العملي!

الحاجة إلى ملاذ آمن

أن نرحل تاركين خلفنا حياة كاملة ونبدأ رحلة جديدة في مكان غريب يتّحدّث الناس فيه لغة مختلفة، أسلوب حياة، أعراف وقوانين جديدة، لابدّ أن تترك أثراً في النفس. ويتفّق الكثير على فكرة الحاجة إلى التعامل مع المشاعر المختلطة التي تؤرّقنا والتي لا نستطيع التعبير عنها إلا بلغتنا الأم، وكثيراً ما سمعتُ أو قرأت عن حاجة البعض إلى التواصل مع مختصّين يتشاركون معهم نفس اللغة.

هذا ما توفّره منظّمة دوبامين هامبورغ التي أسّسها فريق مهني مكوّن من رجال ونساء من ثقافات ولغات متعددة يعملون بشكل تطوعي منذ حوالي سنة ونصف. فهي إلى جانب أنها جمعية إرشاد نفسي اجتماعي غير ربحية، تقدم استشارات نفسية اجتماعية باللغة الأم. يقدّمون خدماتهم لمساعدة الأشخاص الذين تعرّضوا للاضطهاد السياسي أو العرقي أو الديني، ومن يعانون من الصعوبات في حياتهم اليومية من خلال جلسات دعم وإرشاد جماعية وفردية. مجانًا وبشكل سرّي دون الكشف عن هويتهم.

قاعة.. وكثير من الأحاديث!

فداء إدريس تستقبل السيدات في قاعة تابعة لمركز Schorsch، الذي يحتضن المنظمة ويقدّم لها المكان. القاعة الدافئة التي أعدّتها إدريس مسبقاً لتبعث الراحة في نفوس من يدخلها؛ تُعتبر واحةً آمنة لهؤلاء النساء. تقول راما طبّاع: “اعتدنا أن يكون اجتماع النساء بلا فائدة، لكنّ اجتماعنا مع السيّدة فداء كسر الصورة النمطية المعتادة.. وبشكل شخصي تساهم هذه الجلسات بصقل شخصيتي، أنا الآن لا أخجل أبداً من الحديث عن تلقي الدعم النفسي هنا في المنظمة”.

فرصة التغيير!

أما مؤمنات فتجد أن هذه الاجتماعات أولوية بالنسبة لها، فهي سعيدة لأنها لم تستفد من خلال تجاربها فقط، وإنما من خلال تجارب الأخريات أيضاً: “نحن محظوظات لأننا استطعنا تغيير أفكار اعتدنا اعتبارها كمسلّمات لكننا هنا استطعنا فهمها وتغيير ماهو خاطئ منها”.

بينما تعتبر سوسن أن الجلسات تمنحها شيئاً من الحياة الاجتماعية التي يفتقدها أغلبنا: “نجتمع هنا بأشخاص يشبهوننا ويتكلمون لغتنا، ثقافتنا واحدة، أوجاعنا واحدة. هنا نكسر شعورنا بالغربة”! من ناحية أخرى تجد نفسها مشدودة بكل ما يتعلّق بعلم النفس وسلوكيات البشر، ومن خلال الاستماع إلى تجارب الأخريات تضيء جوانب في داخلها لم تكن تنتبه لها.. “رحلة داخل الذات”

مرارة الحقيقة أجمل من حلاوة الوهم

تختلف الأسباب التي تدفع النساء إلى المشاركة بجلسات الدعم النفسي، لكنّ الجميع يتّفق على مدى التأثير الإيجابي لها. وعن ذلك تتحدّث ناريمان: “في الحقيقة نحن نشبه لوحة من الفسيفساء، والسيدة فداء ترتّب أجزاءها بتناغم ووجدان، هي تشبه المرآة الصديقة التي تخبرنا أن مرارة الحقيقة أجمل من حلاوة الوهم”.

ما هو دور المرشد النفسي؟

لا تتوقّف فداء وزملاؤها عن البحث والمتابعة، تجيب عن الأسئلة دون وصاية أو تقييد، وتفتح أمام السيدات عوالم لم يكتشفنها في أنفسهنّ، وتعمل مع زملائها على مساعدتهن للتخلّص من الأفكار والمعتقدات البالية مع مراعاة الحفاظ على هويتهن وقيمهنّ الشخصية، كما ترى أن غالبيتهن يرغبن بالتغيير: “هناك إنجازات رائعة فالعمل يحتاج إلى جهد الطرفين ويحتاج إلى بناء المهارات والسيدات لديهنّ الصبر والرغبة بالتغيير واكتشاف أنفسهن”.

وتختم بالقول: “أنا أعمل على الصحة النفسية والاجتماعية وليس العلاج النفسي. فأساس الصحة النفسية قدرة الإنسان على بناء علاقات سليمة واستخدام موارده الشخصية والموارد المحيطة به وحل النزاعات وعيش حياة هادفة تتوافق مع قيمه الشخصية. لأن الإنسان الصحيح نفسياً ليس ذلك الذي تخلو حياته من المشاكل والضغوطات والصعوبات، إنما القادر على التعامل معها جميعها وإداراتها بشكل سليم”.