Image by Krissie from Pixabay
8. مايو 2022

البيروقراطية الألمانية من زاوية أخرى!

تشتكي المواطنة الألمانية فيكتوريا من البيروقراطية في بلادها، لأنها احتاجت لثلاثة أسابيع حتى تسجيل سيارتها! بينما الأمر لا يستغرق عمليا سوى ساعات قليلة. لكن المهاجرة سارة القادمة من تونس، تشتكي من نفس البيروقراطية أكثر مما هو حال فيكتوريا، لأنها لم تتمكن من حجز موعد مع الطبيب إلا بعد شهر كامل! بينما كان الأمر في تونس يأخذ ساعة أو ساعتين فقط دون حجز مسبق.

هل هي مجرد صدفة أن يتذمر مهاجر من البيروقراطية الألمانية أكثر من المواطن الألماني نفسه؟ أم أننا نستطيع تعميم هذه الحالة بشكل أوسع دون أن نتجاوز الحقيقة؟

البيروقراطية ثقافة!

يرى المهندس حسن، خبير شبكات المعلومات المقيم في ألمانيا منذ سنوات – بعد أن قضى قرابة ثلثي عمره في المنطقة العربية – أن المواطن الغربي عموما والألماني تحديدا يبني حياته وفق تخطيط مسبق ودقيق واحترام بالغ للوقت والمواعيد، وبيئة أكثر استقرارا، بحيث يمكنه أن يتوقع ماذا سيعمل وأين سيكون بعد سنوات من اليوم، وأن يحدد تاريخ إنجاب طفله الأول قبل سنوات من إنجابه، وأن يحدد المبلغ السنوي الواجب ادخاره ليتمكن من شراء منزله في الوقت المخطط له، وبالتالي فإن البيروقراطية تكون أقرب إلى تفكيره وأسلوب حياته، كونها مبنية على تخطيط مسبق كطريقة حياته، وبالتالي سيكون تذمره منها بدرجة أقل، خاصة وأنها أصبحت بدورها جزءًا من ثقافته الحياتية منذ طفولته.

بالمقابل، نأتي كمهاجرين من بلد مختلف الثقافة، حتى على مستوى الحياة الفردية، فدخل الفرد غير كاف للتفكير بالتوفير ليخطط لمستقبله، ونظامه السياسي غير مستقر ليتمكن من التنبؤ بالقادم كشرط للتخطيط، والنظام الاجتماعي تكافلي وبسيط البنية الاقتصادية، فيتعامل مع حياته بمعادلة التكيف مع المتغيرات الدائمة على المستوى الفردي والعام، ويعيش بفكرة اقتناص اللحظة إذا احتاج طبيبا أو مهندسا، لأنه لا يثق بحصوله عليها غدا.

معاناة للأحياء.. والأموات!

ولهذا، وجدت صعوبة كبيرة في التكيف مع النظام الألماني المخطط بدقة، عند قدومي للدراسة هنا، ومثلت لي المواعيد الصارمة هاجسا يوميا، حتى على مستوى صيانة شبكة المياه في شقتي، التي أحتاج أحيانا لأسابيع لتوفير مهندس صيانة لها. من الصعب أن تقابل شخصا لا يشكو من البيروقراطية وبطء الإجراءات والمعاملات المكتبية، حتى من موظفي الدوائر الحكومية أنفسهم، فرغم التقدم التقني الهائل في ألمانيا، إلا أن توظيف هذه التقنيات لتسهيل معاملات المواطنين والمقيمين لا يزال متخلفًا مقارنًة بالكثير من البلدان الأوروبية التي تعتمد المعاملات الإلكترونية السهلة والسريعة.

عند قدومي إلى ألمانيا قبل سبع سنوات، كنت أصاب بالصدمة عند معرفة تفاصيل حياتي في المجتمع الجديد، خلال استماعي لقصص أصدقاء عرب عن الصعوبات التي واجهتهم هنا، مثل أن أحدهم استغرق شهرا للحصول على موعد مع الطبيب عند مرضه، أو أن تصريح دفن جثمان قريب لك يحتاج لأسابيع ينتظر فيها الجثمان في ثلاجة الموتى، وأن تكاليف هذه الإجراءات مرتفعة لدرجة أن حرق الجثمان قد يكلف 1500 يورو! وأنا قادمة من بيئة تؤمن بأن “إكرام الميت دفنه”، ولا يظل فيها المتوفى غير ساعات قليلة قبل وضعه في مرقده الأخير، وإلا كان ذلك هدرا لكرامته.

إن البطء ليس سلبيًا على الدوام، كما أن سرعة الخدمة ليست امتيازًا بالمقابل! لكن ثقافة الأفراد والمجتمعات مختلفة دوما، وبناءً عليها تختلف المواقف والآراء والسلوكيات، بما فيها تقييم الخدمات العامة..

  • سماح الشغدري
    شاعرة وصحفية من اليمن