©Mutaz Enjila
11. يوليو 2021

ماذا تعرف عن حكاية “عازفو بريمن”؟

عازفو أو موسيقيو بريمن” هي قصة شعبية خيالية كتبها الأخوين جاكوب وفيلهيلم غريم، وهما باحِثين ثقافيّين وكاتبَين، قاما بِجمع القِصص الشعبيّة الألمانيّة في كِتابٍ واحد خلال القَرن التاسِع عشر. نُشرت القصة لأول مرة سنة 1819 في كتاب “حكايات خرافية من ألمانيا” أو ما يعرف اليوم باسم “حكايات غريم الخرافية“. تحكي قصة “موسيقيو بريمن” التي تعرف بالألمانية Die Bremer Stadtmusikanten، حكاية أربع حيوانات أليفة كانت منبوذة، وكيف حاول مالكوها التخلص منها لكبر سنّها. التقت الحيوانات على الطريق إلى مدينة بريمن وقرروا تشكيل فرقة موسيقية تجوب شوارع المدينة.

تنتقد قصة “موسيقيو بريمن” الأوضاع الاجتماعية التي كانت سائدة في ذلك الزمان، ويرمز تمثال  الديك والقط والكلب والحمار الموجود في بريمن، لمرحلة التسلط والعبودية في القرن 19م. وتروي القصة كيف تمكّنت تلك الحيوانات من الانتصار في تلك المرحلة الصعبة، وكيف استطاعوا التحرّر من أسيادها وتكوين فرقة موسيقية.

قصة تمثال موسيقيو بريمن!

في قرية قريبة من مدينة بريمن الألمانية، كان يعيش طحان يملك حماراً، كان ينقل عليه أكياس الطحين لسنوات طويلة إلى أن صار الحمار عجوزاً ولم يعد قادراً على العمل، فقرر مالكه التخلص منه. شعر الحمار بأن بقائه أصبح خطراً عليه، فانتظر ظلام الليل وهرب بعيداً واتجه نحو مدينة بريمن.

عازفو بريمن Die Bremer Stadtmusikanten

في الطريق، التقى الحمار بكلب عجوز تخلّص منه صاحبه أيضاً لأنه لم يعد قادراً على الصيد. اقترح الحمار على الكلب أن يرافقه إلى بريمن، واتفقاً على أن يشكلا فرقة غناء موسيقية في المدينة ليعيشا من وراء ما تدرّه لهما. وفي الطريق التقيا أيضاً بقطة عجوز كانت تفضّل الجلوس أمام الموقد بدلاً من صيد الفئران، لذا قررت صاحبتها التخلص منها. واقتنعت القطة بفكرة الحمار والكلب وانضمت بدورها إلى الفرقة. وقبل أن يصلوا إلى المدينة التقوا بديك يملك صوتاً جميلاً، وكان قد هرب من منزله الذي عاش فيه لفترة طويلة، لأنه عرف أن صاحبة المنزل تريد أن تعدّه مع الحساء للضيوف.

انطلقت المجموعة في طريقها إلى بريمن، على أمل أن يعملوا جميعاً كفرقة موسيقية. عندما وصلوا في الليل إلى الغابة، جلس الحمار والكلب تحت شجرة كبيرة، أما القطة والديك فصعدا وجلسا عالياً على أغصان شجرة كبيرة. رأى الديك من مكانه ضوءً من بعيد، فذهب الأصدقاء باتجاه الضوء على أمل العثور على طعام وملجأ ينامون فيه.

الحياة الجديدة!

عازف كمان قرب التمثال

عندما اقتربوا من مصدر الضوء وجدوا أنه صادر عن كوخ في عمق الغابة. اقتربوا بهدوء من الكوخ لمعرفة ما يوجد بداخله، فرأى الأصدقاء في الداخل عصابة لصوص يأكلون طعاماً شهياً احتفالاً بغنيمة كانوا قد سرقوها. فقرر الأربعة أن يحصلوا على الكوخ، ووضعوا خطة للتخلص من اللصوص. وقف الحمار أمام نافذة الكوخ وصعد الكلب على ظهره ومن ثم صعدت القطة وبعدها الديك. ثم قام كل وحد منهم بإصدار صوته بطريقة غريبة ليُخيفوا اللصوص، فنهق الحمار ونبح الكلب وقامت القطة بالمواء وصاح الديك. فزع اللصوص وهربوا خوفاً من الأصوات الغريبة المخيفة تاركين الكوخ ورائهم لفرقة الحيوانات.

في وقت لاحق من تلك الليلة، أرسل قائد اللصوص أحدهم إلى الكوخ لاستطلاع الأمر ومعرفة من الذي استولى عليه. دخل اللص إلى الكوخ فرأى عيون القطة تلمع في الظلام فاعتقد أنه شاهد جمراً مشتعلاً، فحاول الاقتراب لإشعال شعله منها ليُضيء بها المكان، لكن القطة هجمت عليه وخدشت له وجهه، وعض الكلب ساقه ورفسه الحمار خارجاً. هرع اللص الخائف إلى أصدقائه صارخاً، “في الكوخ ساحرة شريرة وغولًا وعملاقًا”؛ الأمر الذي دفع اللصوص للتخلي عن الكوخ بشكل نهائي. وبهذا استقرت مجموعة الحيوانات في الكوخ وعاشوا فيه بقية حياتهم، وتخلوا حتى عن فكرة الذهاب إلى بريمن.

العبرة من القصة!

حارس في ساحة بريمن

تُعتبر قصة “موسيقيو بريمن” واحدة من أجمل الحكايات الرمزية، حيث صورت الحيوانات بصورة الخدم الذين أفنوا حياتهم في خدمة اسيادهم، وفي النهاية تم التخلي عنهم بسبب تقدّمهم بالسن وتراجع قدراتهم الإنتاجية. إلا العبرة من القصة تمثلت أكثر في أنهم استطاعوا في النهاية تحقيق المستحيل، وتمكنوا أيضاًمن التغلب على الأشرار، وحصلوا على الكوخ الذي يرمز في القصة لبداية حياة جديدة.

تعكس مصائر الحيوانات في القصة مصائر البشر، وكيف يتحكم فيها الأسياد، وتتناول قضايا الحياة المرتبطة بحقوق الانسان والحيوان على حد سواء. ومن المُلفت أن قصة “موسيقيو بريمن” التي نُشرت قرابة عام 1819، متشابهة إلى حد كبير من حيث فكرتها، مع الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي صدر عام 1948. وتحمل في طياتها رسائل تفاؤل، حتى في أخطر المواقف واشد اللحظات يأساً.

وُجود اسم “بريمن” في عنوان الحكاية الخيالية، يّشير بكل تأكيد إلى مدينة بريمن الألمانية الحالية. وفي هذه الحكاية، تُمثّل بريمن صورة المكان الذي تَطوق الحيوانات المضطهدة التي هربت من مواطنها لزيارته. وخلال الحقبة الهانزية، كان للمدينة ميثاق يضمن الحقوق المدنية والحريات، وتميزت باحتضان العديد من الموسيقيين فيها منذ العصور الوسطى حتى نهاية القرن الثامن عشر، وكان نهر فيزر الذي يعبر المدينة، ممراً مهماً لعبور المهاجرين إلى ما تسمى بلاد الأمل أو الحياة الجديدة.

بريمن الهانزية!

بريمن Bremen

تقع ولاية بريمن في شمال ألمانيا، وفي منتصف المسافة بين هامبورغ وهانوفر. ويقع في المدينة ثاني أكبر ميناء في البلاد بعد هامبورغ. تُشكل مدينة بريمن ومدينة بريمرهافن التي تبعد عنها بـ 57 كلم، أصغر الولايات الاتحادية في ألمانيا. بدأت المدينة تزدهر مع بداية القرن الحادي عشر للميلاد وأصبحت واحدة من كبرى مدن التجارة في أوروبا. انضمت سنة 1358م إلى الرابطة الهانزية التي جمعت في أوجها ثمانين من المدن الغنية في شمال ألمانيا. تعرضت المدينة للدمار جراء الغارات الجوية التي شنتها قوات الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية. سيطرت عليها القوات الأمريكية بعد انتهاء الحرب، ثم وّضعت مع جارتها “بريمرهافن” تحت الإدارة البريطانية، قبل أن تصبح ولاية مستقلة عام 1947م.

تمثال “موسيقيو بريمن” مَعْلَم مدينة بريمن!

نظرا لتطور السياحة في مدينة بريمن بعد العام 1938، كان هناك العديد من الخطط لإقامة نصب تذكاري لقصة “موسيقيو بريمن” في المدينة، لكن لم يتم تنفيذ الفكرة على ارض الواقع إلا بعدما زارها غيرهارد ماركس، أحد أهم النحاتين الألمان، عام 1951 وصمم التمثال الشهير. لم يلق التمثال في بادئ الامر استحسان سكان المدينة المحليين الذين وجدوه مضحكاً. إلا أن رمزيته ودقته واسلوبه الفريد، ساهم في جعل التمثال البرونزي الفريد، معلماً مميزا لمدينة بريمن، وجزءً أساسياً من برامج الجولات السياحية. نُصب التمثال الذي يبلغ طوله 200 سم، رسمياً عام 1955 وصُنّف ضمن قائمة حماية الاثار. ويعتقد زوار بريمن أنه إذا لمس المرء أرجل الحمار الأمامية، فستتحقق أمانيه.

Photos: Mutaz Enjila