عن مروى.. راقصة التانغو! Foto: Privat
3. أبريل 2021

عن مروى.. راقصة التانغو!

خلال ثوان قليلة تحولت مروى من راقصة تانغو إلى فتاة تعيش على كرسي متحرك، حادث سير مفاجئ غير حياتها إلى الأبد، لكنها لم تستسلم لقدرها، واستمرت في خلق سعادتها بطرق مختلفة، فهي تؤمن أن السعادة قرار شخصي يجب اتخاذه مهما كلف الأمر.

ليس من السهل أن تفقد قدرتك على الحركة في سن الرابعة والعشرين، انها تجربة صعبة للغاية، عاشتها مروى في الشام، بعيدة عن جامعتها الواقعة في مدينة حلب السورية بفعل الحرب الدائرة في بلدها، وبعد خمس سنوات من الصراع المسلح الذي منع مروى من مواصلة دراستها الجامعية وخلف قرابة مليون ونصف المليون من المعاقين في البلد.

المأساة والتغلب عليها!

لقد نجت مروى –جسديا- من الحرب، لكنها انضمت إلى فئة غير القادرين على الحركة عام 2015، الذي مثل محطة تحول جوهرية في حياتها، فبينما كانت نائمة في حضن والدتها أيقظتها حركة انقلاب السيارة عدة مرات، وعندما توقفت السيارة بعد عدة قلبات كانت مروى عاجزة عن الوقوف على قدميها، ولم تستوعب الصدمة إلا بمرور الوقت، فقد نقلتها سيارة الإسعاف إلى المستشفى، لكنها لم تعد إليها قدرتها على الوقوف ناهيك عن الحركة التي تعد رأسمالها الأغلى كراقصة تانغو، فقد أصيب نخاعها الشوكي في الحادث.

عام كامل عاشته مروى كحطام إنسان، لكن أسرتها وأصدقاؤها منحوها حياة جديدة بوقوفهم إلى جانبها ودعمها وتشجيعها، فتحسنت بمرور الوقت، ومن حسن حظها أن مركزا لذوي الاعاقاة كان يقع قرب منزلها، ولان مروى لم تستسلم لصدمة بل قررت مواجهتها بشتى الطرق، قررت ان تزور هذا المر كز وتكون زمالة مع الاعضاء هناك، ووجدت في لعب الريشة وسيلتها الجديدة للمرح معهم وهزيمة شعورها بالعجز والخوف.

تكنيك الوضع الجديد

بداية تجربتها، تقبلت أن يلبي الآخرون كل طلباتها خوفا من أن تؤدي حركتها إلى الوقوع من كرسيها، لكنها اكتشفت مدى خطورة الحياة في ظل الخوف، وعززت ثقتها بنفسها مجددا: “كنت فقط بحاجه لأن أتعلم التكنيك الصحيح لطريقة التعامل مع نفسي في وضعي الجديد” قالت مروى، وهذا ما حدث بالفعل، بعد أن غادرت سوريا الى ألمانيا، حيث كانت قبل وصولها ألمانيا تقضي كل وقتها بالمنزل، ولم تحصل على فرصة لاكتساب التكنيك اللازم لحياتها الجديدة، كعنصر فاعل بالمجتمع رغم إعاقته.

رغم وضعها الصعب، أطلقت مروى مع مجموعه من الأشخاص لا ينتموا كلهم لفئة ذوي الاعاقة، مبادرة تهدف لادماج ذوي الاعاقة في المجتمع السوري عام 2016، كمبادرة مجتمعية تساعد الذين لديهم إعاقات حتى يكونوا أشخاصا فاعلين بالمجتمع، يحاولون مساندة بعضهم وتطوير تقنيات ودعم الذين يمرون بإعاقات جديدة، فقد خلفت الحرب حتى ذلك التاريخ حوالي المليون ونصف المليون منذ ذوي الإعاقة!

دعم ذوي الإعاقة

كما قامت بعمل فيديوهات قصيرة لإرشاد المعاقين إلى سبل التغلب على إعاقاتهم، في محاولة منها لأن يستفيد ذوي الاعاقة الذي يتابعوها في سوريا أو من اي مكان، من الارشادات التي اكتسبتها في المانيا للتعامل مع وضعها الحركي الجديد، من خلال نشرة في صفحتها على فيسبوك، فقد مكنتها إرادتها ودعم أسرتها اضافه الى تقنيات جديده اكتسبتها بالتدريب هنا في المانيا.

درست مروى بمعهد الفنون وتخرجت منه، ثم درست بالجامعة إدارة المشاريع، ونتيجة الحرب، لم تكمل دراستها لأن جامعتها في حلب وهي تعيش بدمشق، وبحكم وجود أخيها في ألمانيا، التحقت به مع والدتها لتبدأ حياة مختلفة في مجتمع جديد.

تعتقد مروى أن نظرة المجتمع تجاه ذوي الاعاقة تعتمد على نظرة الشخص لذاته: “أنت من ستكسر الصورة النمطية عن هذه الفئة التي تنتمي لها، إذا كنت تريد أن تكون مستسلم دون أي تفاعل مع المجتمع، سينظر لك حسب ما أنت عليه. وإن كنت تسعى لأن تمارس حياتك بشكل طبيعي وتحاول أن تغير وتجدد في محاولاتك ستجد من يساعدك”.

الإرادة الصلبة تصنع المستحيل

كانت إرادتها القوية وقرارها بصناعة السعادة وممارسة حياتها بشكل طبيعي بمجتمعها الجديد، سببًا لمغادرة دائرة الصدمة وما تخلفه من حلقة مفرغة ليس لها نهاية: “كان من الطبيعي أن ألزم البيت وأحزن على وضعي الجديد، وكنت أعيش في أول سنة شعور كهذا، لكني وقفت مع نفسي وقلت إلى متى سأبقى عند نفس النقطة!”.

كان لدى مروى أسرة محبة وقوية لم تتركها لحظة واحدة: “الظرف الذي مررت به لا بد لأي شخص يمر فيه أن ينهار، أنا انهرت وانكسرت ووجدت من يمد لي يده ويحتويني ويقول لي قومي أنتِ قادرة أن تنجزي مره ثانية. هذا الدعم يستحيل أن أنساه ولهم الفضل، وسعيدة بهذه العائلة التي تحتويني”، قالت مروى عن موقف أسرتها.

لقد تعلمت مروى من تجربتها، وخرجت من الدائرة الضيقة والمميتة إلى دائرة الحياة من خلال تقبلها الذي خلقته رغم كل المعاناة. المرحلة هذه علمتها كيف تكون قادرة على انجاز ما تريد، وأن كل شيء سيحدث إذا كانت لديك إرادة: “أصبح لدي إصرار يمنعني أن أخسر بسهولة، كنت فقط آخذ استراحة محارب وهذا ما جعلني فيما بعد أتعلم المبارزة (..) بعد الحادث خرجت من حطام وانكسار، فكنت محاربة اتجهت للمبارزة حتى أخرج كل شيء من داخلي وأطمح أن أشارك فيه بأولمبياد ما”.. هكذا لخصت المبارزة القوية مروى تجربتها.

خذ وقتك ثم انطلق..

تفكر مروى اليوم بتأسيس جمعية تستهدف ذوي الإعاقة، وترسل إلى الذين تعرضوا لإصابة أو إعاقة رسالة محفزة عن تجربة عايشتها وتقبلت كل ما فيها: “من تعرض لإصابة أو إعاقة لديه وقت كبير يبكي ويكتئب، يخرج كل مشاعره، وليس عيبا أن تظهر حزنك ومأساتك، خذ وقتك في كل هذه المشاعر فالموقف الذي تعرضت ليس سهلا”.

هذا ليس كل ما تريد مروى أن تقوله، بل هو مقدمة لجملة مكثفة للحالة المرضية باتجاه العلاج: “فقط خذ وقتك وانطلق بعد ذلك، رمم نفسك فالإرادة مهمة”.

  • تقرير: سماح الشغدري
    كاتبة وشاعرة من اليمن