illustrations: Noah Ibrahim
8. مارس 2021

كيف غيّر فيروس كورونا حياة الشاب السوري حسام؟

بعض المواقف في حياة الشخص، تدفعه أحيانًا ليتأمل حاله، ويجري تغييرات ربما تكون جذرية ما كانت تخطر في باله يومًا! ولعل المرض أكثر هذه المحطات تأثيرًا في حياتنا، لدرجة أنه أحياناً يقلبها رأسًا على عقب! هكذا قال لي حسام عن فترة مرضه جراء الإصابة بفيروس كورونا، ورغم اللحظات العصيبة التي عاشها، إلا أنه استذكرها بخفة دم وسخرية حتى من نفسه!

الخطيبة والأصدقاء وفروة!

أنا حسام، أبلغ من العمر 26 عامًا، شاب سوري وخاطب من سنة تقريبًا، أعيش بشقة صغيرة متواضعة وعندي قطة اسمها فروة. أقيم في إحدى ضواحي برلين، بالقرب من ورشة الميكانيك حيث أعمل. لا شيء ممتع في حياتي سوى الأوقات التي أقضيها برفقة خطيبتي، وأيضًا أصدقائي. بالتأكيد أحب فروة، إنها اسم على مسمى، كتلة وبر بعينين واسعتين وأربع أقدام وذيل، وتعشق اللعب والأحذية!

المؤامرة والحظ!

طوال الأشهر الماضية، تابعت كالجميع أخبار كورونا، كنت أشعر أن وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي تبالغ! لم يُصب أحد بالفيروس في محيطي، لا زملاء العمل، ولا زبائن الورشة، ولا الجيران حيث أسكن، ولا أصدقائي! ولا خطيبتي أو أحد أقاربها. كان الموضوع مبهمًا للغاية، الأعداد ترتفع، لكن بعيدًا عن مجتمعي الصغير! ربما نحن أكثر حظًا من غيرنا، أو لعله لا يستحق كل هذه الضجة.

كمامات يقرف منها الفيروس!

هكذا بقي الحال، حتى جاء أحد الزبائن لفحص سيارته في ورشتنا! أعرفه جيدًا فليست المرة الأولى له عندنا. المهم الرجل لم يكن يشتكي من أي أعراض، بدى طبيعيًا للغاية كأي زبون يدخل الورشة، جلس يشرب الشاي بينما تجهز عربته. المفروض أو كما هي التوصيات الصحية، أن يضع الأشخاص الكمامة إذا كان هناك أكثر من شخص بمكان صغير مهما اتسع، كورشة التصليح! وللأمانة كماماتنا متسخة بسبب المكان، فنحن لا نعمل بمتجر للنظارات الشمسية! يمكن القول أن الكمامة التي كنت أستخدمها، بيئة خصبة للفيروسات، وعدم وضعها أفضل!

الزبون النحس

المهم، أعتقد وكل من كان في الورشة ذاك اليوم، أن هذا الزبون الذي شرب الشاي وفتح سيرة أبو زيد الهلالي، هو المصاب الذي حمل العدوى إلينا! لاحقاً وتباعًا.. بدأنا نمرض واحدًا تلو الآخر! بعد نحو 5 أيام من زيارة صاحبنا المصاب، ظهرت الأعراض عندي. كان زميلي بالعمل سبقني إلى المرض، وبعد التحليل تبين أنه مصاب بالفيروس.. بدأت الحكاية ومشوار المرض الذي لا أتمناه لعدو!

سيبوني يا ناس بحالي

حجرت على نفسي بمنزلي، طلبت من أحد أصدقائي أن يتبضع لي بعض الحاجيات، والكثير من طعام القطط. أخبرته أن يضعهم على باب الشقة، وأنا سوف أحول النقود إلى حسابه. للأمانة ألح بشدة بأن يدخل وأنه سوف يضع الكمامة المناسبة، وسيستخدم قفازات طبية، إنه كما يقال الأخ الذي لم تلده أمك. لكنني رفضت بحزم، وكنت عنيفًا برفضي لدرجة مزعجة. على العموم بالبداية كان الوضع غامضًا! المرض لا يبدو بالشراسة التي يصفونها! أو ربما لأنني صغير بالعمر، لم أكن أعرف ما ينتظرني لاحقًا!

أنا وإنتا وكورونا تالتنا!

بعد نحو 10 أيام على اللقاء بالزبون النحس، كان المرض يشتد علّي كثيرًا، رفضت التحدث إلى خطيبتي وأهلها، جاؤوا إلى باب البيت، طردتهم من الداخل بصوت مخنوق. رجوتهم أن يدعوني وشأني، لشدة التعب لم أتقبل فكرة نقل العدوى لأحد، فكيف للذين أحبهم! للحظات فكرت بأن أعطيهم القطة فروة، لكنني خشيت أن تكون مصابة أيضًا! بدت متعبة مثلي على غير عادتها، وفقدت شهيتها تمامًا كما حصل معي.

وعدى الليل على مهله!

أصبح الليل طويلًا أكثر مما هو عليه، رغم أن ليالي الشتاء طويلة، لكنها مع كورونا تبدو فضاءً أسودً لا ينتهي! تأتي الحرارة وتذهب، شعور عام بالخمول، والرغبة بالنوم والأرق في آن معًا! أسمع قرقرة أمعائي، لكن لا رغبة لي حتى بشرب الماء! كانت القطة دافعي الوحيد للحركة، كنت قلقًا من أن أغيب عن الوعي لساعات دون أن أترك لها طعامًا كافياً.

تعب وإرهاق، سخونة وبرودة، كحة جافة ورطبة، رؤية صعبة أحيانًا كما لو كان هناك غشاوة على عيني اليمن مرة، واليسار مرة أخرى، وسويًا عدة مرات. ذهبت رائحة الأشياء، حتى “الهراء”! اختلف مفهوم الزمن، ففي الشتاء يتصل الليل بالليل، كأنه لا صباح في هذه البلاد.

يا مرسال المراسيل

كانت خطيبتي تأتي لتتحدث معي من النافذة، كانت تقف لتراني ونتحدث بالموبايل، أو الأصح تكلمني هي، كنت أستمع دون رغبة بالكلام. تذهب هي فيأتي صديقي الأخ الذي لم تلده أمي، يجلس خلف الباب، يحكي لي مواقف طريفة جرت معه، أعرف جيدًا أنها كلها من تأليفه، كان يخرط علّي ليؤنسني! كنت أنام على صوته قرب الباب، وأستيقظ وما زال هناك، يناديني بين حين وآخر، ليطمئن.. ثم يتابع السيرة!

في إحدى الأيام انزعج الجار من صوته، أو ربما لأنه لا يفهم ما الحديث الذي يدور! أخبره صديقي بلغة ألمانية ركيكة، لا أريد الدخول لأن لديه قطة، وأنا مثل الفئران أكره القطط! ضحك الجار، ليس بسبب الطرفة، وإنما بسبب اللغة التي كانت بمثابة جريمة لغوية يجب أن يسجن صديقي بسببها أو يرحل من البلاد! ما علينا، طلبت منه أن يكلمني على الموبايل، لا داعي لأن يأتي إلى باب البيت، فوافق شرط أن أقسم على استدعائه عند الضرورة! أقسمت ولم أعرف ما هي الضرورة، لكن طالما ذلك يريحه.

أنا صار لازم ودعكم!

ليس هناك وصفة طبية، الكل يقول لك اشرب الماء، ابتعد عن الجميع، حاول تناول وجبات لا تلبك المعدة! بصراحة لم أتعب معدتي أبدًا بل على العكس شعرت بالقهر! ربما فقدت عدة كيلوغرامات خلال فترة المرض والتي استمرت لنحو أسبوعين، أشدها كان خلال منتصف المدة. لا أخفيكم أنني فكرت بالموت: “لا يبدو أنني سأشفى خاطبت نفسي قائلاً: أخت هالعيشة على أخت هالفيروس، لما تحسن وضعي بالبلد، لاحت النهاية! المنحوس منحوس ولو علقوا على أنفه فانوس”، بالطبع ليس أنفه، لكن هذا ما يقال في مقال!

ساعات ساعات

فروة كانت رفيقًا لطيفًا خلال رحلة المرض المتعبة، صحيح أنه فرض عليها هذا الوضع، لكن بالمقابل كنت أعزي نفسي وأقول، لو لم تكن هنا لعلقت في مأوى للحيوانات تنتظر أحدًا يتبناها بتعاسة! وما أدراها، ربما تتبناها عائلة لديها كلب! على الأقل تعيش عندي وكأن البيت بيتها وأنا ضيف! بصدق لشدة الفراغ والإحساس بالعدمية، أتتني هذه الأفكار، تخيلت جنازتي، رسمت عدة سيناريوهات لخبر رحيلي المفجع! أو هكذا ظننت! لا يهم، كانت الساعة ساعات على قول المطربة صباح!

قرارات ليست كالقرارات!

في الأيام الأخيرة من المرض، كان الوضع أفضل بمليون مرة عما كان عليه خلال اشتداده! لم يعد هناك حرارة، خف السعال كثيرًا، وقررت الإقلاع عن التدخين، ليس ذلك فقط، لقد قررت الكثير من الأشياء قد تجدها تافهة، مثلًا قررت تصديق الأخبار التي سأسمعها لاحقًا عن الفيروس وخطورته، وقررت أن لا أدخر النقود إذا دخلت جيبي، بل سأنفقها ولن أحرم نفسي من شيء! قررت أن أعلق صورة صديقي عند الباب من الداخل، حتى لا ينتظر خارجًا مرة أخرى!

وقررت أن أشتري ثلاجة أكبر من تلك التي عندي ولا تتسع لشيء! قررت ترك ورشة العمل التي كنت أعمل فيها، لم يسأل عني أحد هناك ولا حتى باتصال! يجب أن نحيط أنفسنا بمن يحبوننا. قررت أيضًا أن أحضر قطًا رشيقًا لفروة، شعرت بالوحدة التي كانت تعيشها خلال غيابي الطويل عن البيت! وقررت أن أساعد من يصاب بكورونا حتى وإن لم أعرفه! كانت لحظات عصيبة لا يفهمها إلا الذين عاشوها!

كتاب حياتي يا عين!

اليوم، بعد نحو شهر ونصف الشهر على الشفاء، لم أدخن سيجارة واحدة وأتمنى أن أحافظ على ذلك، لم أتوفق بإيجاد قط مناسب لفروة، لكن ما زال البحث جاريًا. رفض صديقي أن أعلق صورته عند الباب وقال: “عليك أن تضعها على رأسك يا فهيم وليس عند الباب”، تركت العمل ولم أجد عملًا آخر، لكني متفائل رغم ذلك!

ماذا أيضًا، أبحث في مواقع التطوع عن أي فرصة للمساعدة وخاصة تأمين الحاجيات والتسوق لمن يحتاج ذلك! لم أشتري ثلاجة جديدة، لكن مشروع التغيير قائم. أفكر بالاشتراك ببرنامج التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، وأنتظر عودة الحياة لطبيعتها وانتهاء الإغلاق للمتابعة في هذا السياق. ليس عندي نقود لكن لو كان معي، سأنفقها! وأعتقد أنني حتى الآن، أحيط نفسي بالأشخاص الذين أحبهم ويحبونني.

بدنا نتجوز عالعيد!

أتمنى الشفاء لجميع مرضى كورونا، لا أخفيكم.. إنه مرض صعب، البعض لا يعاني كما عانيت أنا خلال فترة الإصابة، لا أعرف لست أخصائي فيروسات لأشرح سبب تفاوت شدة المرض من شخص لآخر، لكن بغض النظر عن كل ذلك، تكفي حالة العزلة التي يفرضها كورونا على المصابين، خاصة هؤلاء الذين يعيشون وحدهم! وصحيح أمر آخر نسيته، قررت الزواج بأقرب وقت ممكن!
قال حسام ذلك وضحك، ثم اعتذر لينهي المكالمة بسرعة، فالحكومة تطلبه! ويقصد طبعًا الخطيبة!