Photo: Osman Yousufi
26. سبتمبر 2020

لينة عطفة.. شاعرة تبحث عن وطنها في القصيدة!

تستحوذ مشاعر الغربة على الشاعرة لينة عطفة كلما تذكرت أنها غير قادرة على العودة إلى سوريا، وتحديدًا مسقط رأسها مدينة السلمية التي عاشت فيها طفولتها، وبدأت فيها ترجمة مشاعرها وانفعالاتها إلى قصائد شعرية ونصوص أديبة.

سلمية والشعر والجد المثقف

نوبات من الحنين تنتاب عطفة، وهي تتحدث عن الوطن والعائلة، وعن السلمية التي كانت احدى مراكز الاشعاع الثقافي في سوريا، التي تشربت منها حب الشعر والكلمة، متأثرة بجدها عبد الكريم الضحاك أبو سليمان، الذي كان مدير المركز الثقافي في سلمية قبل أن يعتقله النظام السوري ويقضي اثني عشر عاما في المعتقل! بعد خروجه من السجن، اعتادت مرافقته مع أشقائها إلى قاعة القراءة في المركز الثقافي، وكانت ملازمة له بجلساته الأدبية التي يعقدها للناس في المنزل.

بداية مبكرة بعشق اللغة العربية

تعلمت لينة قراءة القرآن تجويده عند الشيخة قُتيلة ثلجة وهي طفلة صغيرة، كما ساهمت قراءة الكتب والقصص المصورة التي كانت تهديها لها أمها وجدها في صقل لغتها العربية واكتساب مفرداتها. في حديث شيق مع الشاعرة لينة عطفة عبر الهاتف، أخبرتني عن المرة الأولى التي نطقت بها أول كلمات الشعر! كان ذلك في احتفالات رأس السنة بعامها الخامس! تحت تأثير الفرحة حين زارهم بابانويل بالمنزل، لتوزيع الهدايا على الأطفال، فاندهش ورفع القناع عن وجهه وقبلها.

تتحدث لينة عن السلمية بحنين طفل الى حضن امه، وترى أن الثقافة المتنوعة والملونة إنسانيا وثقافيا وسط اهتمام العائلة، مكنتها على مدى سنوات من تحصيل مخزون لغوي وثقافي، ودفعها حبها للشعر، خاصة الجاهلي، للالتحاق بدراسة الأدب العربي في جامعة دمشق، فساهمت الدراسة في إثراء موهبتها الشعرية، وقوت ذائقتها الأدبية، وطورت كتاباتها.

الحرمان من السفر بسبب قصيدة!

وعلى الرغم من أن عائلة عطفة تعرضت لأنواع شتى من الاضطهاد لمعارضتها نظام الأسد، وظل جدها في السجن سنوات طويلة، وطرد والدها من عمله وتحول إلى محاكم خاصة بالإرهاب! إلا أنها لم تتوقع أن يكون اسمها على القائمة السوداء لدى السلطات بسبب قصيدة شعرية ألقتها وهي طالبة في الثانوية عام 2006!

بعد تلك الأمسية، استدعتها المخابرات للتحقيق معها، وحذرتها بعدم الكتابة عن الدولة أو الدين أو استخدام كلمات غير لائقة، واعتبرت عطفة أن القضية انتهت لكن قبل سفرها إلى ألمانيا في 2014 فوجئت بأن اسمها معمم على الحواجز الحدودية وأنها ممنوعة من السفر!

صُدمت عطفة التي كانت تستعد للالتحاق بزوجها في ألمانيا من الخبر، ووجدت صعوبة كبيرة عند البدء بإجراءات لم الشمل والسفر، واضطرت للذهاب إلى التحقيق في دمشق! بعدها رُفع اسمها من القائمة السوداء لمدة 24 ساعة، تمكنت خلالها من السفر إلى بيروت ثم القدوم إلى ألمانيا.

البدايات الجديدة

حملت لينة هموم وقضايا وطنها معها إلى بلدها الجديد التي عانت فيه من حواجز اللغة وصعوبة التأقلم مع حياتها الجديدة بعيدة عن الأهل، إلا أنها جعلت من الشعر والكتابة فسحة ومتنفساً لتخطي الوحدة، وعوائق التأقلم مع حياتها الجديدة بعيدا عن الأهل، وحواجز اللغة، وترى أن الكتابة إحدى الطاقات الايجابية للتعبير عن الأفكار وترتيبها، والترويح عن النفس وعلاجها، والتخلص من التوتر والقلق.

تعيش لينة علاقة صداقة عميقة مع زوجها عثمان الذي قدم لها كل جوانب الدعم للخروج من وحدتها، ولتضع قدمها على بداية الطريق، وساعدها كثيراً في حياتها المهنية، وتعلم اللغة الألمانية، وترجم لها العديد من القصائد الشعرية والنصوص.

محطات في المهجر

وككثير ممن اضطرتهم الحرب في بلدانهم للمغاردة، لم تستسلم عطفة لقيود الغربة، وتعيش حياة حافلة بالعطاء والعمل، فهي تكتب بالعديد من المواقع والصحف العربية والألمانية، وصدر لها ديوان شعر بعنوان “على هامش النجاة” 2016، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وتم ترشيحه لجائزة الشيخ زايد فئة الكاتب الشاب 2017/ 2018، وديوان باللغتين العربية والألمانية بعنوان “سِفر الوصول المفقود” عن دار بندراغون، والذي حاز على جائزة “Liberaturpreis” لأفضل الكتب المترجمة للغة الألمانية 2020.

كما شاركت في عدة مختارات شعرية صدرت باللغتين الألمانية والفرنسية والعديد من الفعاليات الأدبية، وحازت على جائزة هيرتا كونيغ للكاتبات الشابات 2017، وحصلت على منحة دعم الفنانين بمنطقة الرور للتفرغ الأدبي، مشروع رواية “الجلسة ما قبل الأخيرة مع السيدة إدرلينغ” 2019، ومنحة قصر فيبرسدورف للأدب 2020، للعمل على مشروع ديوان شعري مستوحى من أعمال الفنان النمساوي غوست افكليمت، وحصلت على منحة وزارة الثقافة والعلوم في ولاية شمال الراين لدعم الكتاب والفنانين لإكمال ديوانها الذي سيصدر العام القادم، ويحمل عنوان “المؤانسة”، إضافة إلى منحة إقامة أدبية في بيت الفنانين بإيدنكوبن لمدة شهرين في ربيع عام 2021 وذلك للعمل على ديوان شعري مستوحى من أعمال الفنانة الألمانية كتارينا غروسه.

الظلم والاستبداد ملح اللجوء!

ترى لينة أن مشاركتها في المنتديات الأدبية فرصة للحديث عن سوريا، وما يحدث في البلاد العربية كاليمن والعراق من ظلم واضطهاد، وإيصال صوت الناس المستضعفين للعالم، وتقول: “لولاالظلم والاستبداد لما كان اللجوء، وما كنّا مضطرين لنخوض كل هذاالألم.”

  • نص لـ سماح الشغدري
    شاعرة وكاتبة من اليمن