في مطلع مارس الماضي بدأ فيروس كورونا بالانتشار في ألمانيا، ومع منتصف الشهر كانت الحركة شبه متوقفة، بعد أن اضطرت الدولة لإغلاق المؤسسات الحكومية والدعوة للحجر الصحي، للحد من أي تقارب بين الاشخاص. اقتصر الامر في اغلب الاماكن على دوام بعض الموظفين في الدوائر الحكومية واستقبال معاملات المواطنين عبر البريد الالكتروني او الهاتف، وتأجيل ما هو غير مُلح، بغية الحد من انتشار الوباء.
الناس للناس بوقت الشدة
هنا في مدينة نوردرشتيدت، تعمل السيدة إيمان ميكا في مخيم للاجئين منذ قرابة 4 سنوات، التقيتها مؤخرا وتفاجأت بأنها تفضل الدوام في مكتبها رغم المخاطر الكثيرة التي قد تتعرض لها جراء الخروج يوميا لتسهيل معاملات اللاجئين! لفت انتباهي، اثناء حديثي معها، حسها الانساني الكبير، ففي الوقت الذي كان بمقدورها تجنب الاختلاط بالناس، فضلت الاستمرار بالعمل بشكل يومي، لتستقبل اللاجئين وتسهل معاملاتهم التي تخشى أن تتأثر بسبب اغلاق جوب سنتر والبلدية.
لا يستطيع الكثير من اللاجئين التواصل بالهاتف لاستكمال معاملاتهم، سواء مع المدارس اذا لزم الامر، او لتسيير أمور مادية يجب الايفاء بها، او لتنظيم بعض المواعيد مع الاطباء لبعض كبار السن، كما ان كُثر يحتاجون تجديد اقامتهم، اضافة إلى تسيير امور مراكز الإيواء في حال حدثت مشاكل طارئة!
الإصرار والتحلي بالأمل
ايمان القادمة من العراق عام 2009 مع زوجها وطفليها، واحدة من النساء العربيات اللوائي وجدن صعوبة بالغة بالاندماج في البلد الجديد الذي تعتبره وطنها الثاني، كونه فتح ابوابه للكثير من الفارين من بلدانهم بفعل الاضطهاد السياسي او الاقتصادي او الديني او نتيجة ويلات الحروب، غير انها ثابرت رغم عدم اتقانها للألمانية، وبكل اصرار استطاعت ان تتخطى المستحيل وبدأت بتعلم اللغة منذ الشهر الاول لها هنا. حرصت ايمان على التطوع في اكثر من مكان لتكتسب خبرات متعددة لغوية وعملية وثقافية ومن اجل الاستقلالية المادية كما تقول.
وعلى الرغم من انها حاصلة على شهادة في التربية الفنية من جامعة بغداد التي عملت فيها مدرسة لذات التخصص مدة سبع سنوات بعد تخرجها، إلا انها وجدت شهادتها الجامعية غير معترف بها هنا، ومع ذلك لم تستسلم ووجدت في العمل التطوعي طريقا آخر يمكنها من قيادة رحلتها الجديدة، وبعد الكثير من المثابرة نجحت بالحصول على وظيفة رسمية في منظمة دياكوني التي عملت فيها لسنوات كمتطوعة.
المرأة الحديدية التي تساعد الجميع
اثناء حديثي معها قالت أن تواجدها في المكتب بشكل يومي مهم، ذلك أنه يجب بقاء احدهم لمتابعة امور الناس العالقة، والتي اصبحت صعبة بسبب اغلاق البلدية وجوب سنتر: “قد يتوقف مثلا صرف مستحقات بعض الأسر بفعل نقص في الأوراق، لذلك يجب متابعة أمور الناس كي لا يشعروا بقلق مضاعف”. ترى ايمان بتواجدها عاملا معنويا مساعداً للاجئين، تضيف: “كي لا يشعروا انهم وحدهم ولا احد يقف بجانبهم،ومن اجل ان يشعروا أن الامور ليست بذلك المستوى من الرعب اذا ما التزم الجميع بالتعليمات”، وتحرص إيمان على ابلاغ اللاجئين بالتطورات بشكل دائم، وكلما وصلتها تعليمات من البلدية او دياكوني عبر الإيميل، تقوم بسحبها وتعليقها على بوابة المكتب بأكثر من لغة: “ليكون الجميع على اطلاع بكل جديد من تعليمات تخص المرض أو التعاملات العامة” كما تقول..
تعمل هذه المرأة “الحديدية” أغلب الوقت بمفردها، تتبع التعليمات في أخذ مسافة التباعد وارتداء الكمامة، ولديها احترازات خاصة في التعامل مع الآخرين، وعلى بوابة مكتبها توجد إيميلات وأرقام هواتف يمكن لمن لديه معاملة أو استفسار، الاتصال بها والحديث حول ما يريد انجازه، وفي حالة تطلب الأمر حضور الشخص للاتصال بجهة معينة، فإنهاتستقبله مطبقة كل وسائل السلامة.
حياة حافلة بالأعمال والمشاغل
لا تعمل إيمان فقط في دياكوني، بل تعمل أيضا كمشرفة في إحدى المدارس لمساعدة الطلاب على حل واجباتهم المنزلية، كما أنها طالبة في جامعة هامبورغ، وتستعد لتجهيز بحث تخرجها للحصول على شهادة تمكنها من العمل بشكل أوسع وأفضل في مجال الخدمة الاجتماعية. وكأي أم مثلها تقوم ايمان بمساعدة أولادها على متابعة دروسهم التي يتلقونها اونلاين، وتخشى أن يكون انتشار الوباء انعكس على نفسية اولادها بسبب بقائهم في البيت وعدم الخروج، كما لديها قلق مزدوج كغيرها من المقيمين العرب في بلاد المهجر، حيث لا يزال لديها اقارب في بغداد وتتمنى أن لا يصيبهم أي مكروه، بالإضافة الى قلقها على الوضع هنا في ألمانيا وأمنياتها بتجاوز هذه الازمة بأقل الخسائر.
حضور المرأة العربية في ألمانيا
إن حضور النساء بالخطوط الأمامية في ألمانيا ملفت وكبير ويدعوا للفخر، ليس فقط على مستوى تواجد المرأة الألمانية في القطاع الصحي، بل أيضا النساء العربيات كان لديهن نفس الانتماء الإنساني والوطني لهذا البلد، وأثبت كورونا معادن النساء العربيات في الوقوف إلى جانب وطنهم الجديد، كلاً بحسب خبرتها ومجال عملها..
- سماح الشغدري
شاعرة وكاتبة من اليمن