الكثير منا استقبل خبر قدوم 47 طفل لاجئ من الجزر اليونانية بفرحة كبيرة، لكن ذلك لا يغني عن طرح العديد من التساؤلات! فقرار ألمانيا استقبال 360 طفل خلال الأسابيع والأشهر المقبلة وفقًا للاتفاقية المبرمة مع تسع دول من الاتحاد الأوروبي أمر مهم وجيد، لكن من غير الواضح حتى الآن الجدول الزمني للقيام بذلك، وما سيترتب عليه سياسياً واجتماعياً، وكيف سيتم التعامل مع هؤلاء الأطفال؟ في هذا السياق تحدثنا مع ثلاثة نساء وكانت لهن الآراء التالية..
“من المخجل أن الحكومة الاتحادية تُؤجل وتماطل في جلب الأطفال المحتاجين للمساعدة، خاصة من مخيم موريا، غافلين عن الوضع الكارثي هناك، متحججين بإنشغالهم بالوضع الصحي نتيجة أزمة كورونا في ألمانيا”، تقول مؤسسة مشروع (باك أون تراك) بيترا بيكر. طريقة التعامل مع هذه الأزمة أدى لإرتفاع أصوات مطالبة بحلول سياسية سريعة لها، وإن كان الشارع الألماني لايتفق كله على كيفية معالجة الحكومة لهذه القضية! تؤكد على هذا بيكر: “ردود الأفعال في الشارع الألماني متباينة، فهناك ناس يوقعوا على حملات لزيادة الضغط سياسياً لإستقبال عدد أكبر من الأطفال، وهناك أيضاً من يقول أن هذا يكفي وألمانيا استقبلت عدداً كافياً من اللاجئين. وأعتقد أن هذا واحداً من أسباب المماطلة التي يتبعها السياسيون جرّاء خوفهم من فقدان شعبيتهم، مما يؤدي لحصول حزب البديل من أجل ألمانيا على أصوات أكثر وشعبية أكبر، إن قامت الحكومة الاتحادية باستقبال عدد أكبر من اللاجئين”.
مؤسسات دعم الأطفال في برلين مستعدة لاستقبالهم
يتعلم الأطفال اللاجئين اللغة الألمانية بشكل تقريبي لمدة عام في المدارس بصفوف خاصة (صفوف الترحيب)، ثم ينتقلوا الى الصفوف النظامية، لكن يحدث هذا دون أن يُنظر إلى التاريخ التعليمي للطفل وهذه مشكلة كُبرى. بعض الأطفال لم يحظى بفرصة تعليمية نتيجة هروبه من الحرب، تقول بيكر: “هؤلاء الأطفال بحاجة لدعم مكثف حتى يستطيعوا أن يتابعوا بكافة المواد، ومؤسستنا -باك أون ترك- تستطيع أن تلعب دوراً هنا، لقد قلنا لوزارة التعليم المحلية في برلين أننا جاهزون، اذا تم استقبال أطفال أو يافعون من جزيرة موريا، لمساعدتهم تعليمياً، وأن نقوم بسبر معلوماتهم، للبدء بتأسيسهم بكل المواد الرئيسية كالرياضيات والانكليزي حسب العمر والمستوى ليمضوا في طريق التعليم”.
يقوم (مشروع باك أون تراك) على المساعدة في تعليم الأطفال اللاجئين ليتمكنوا من متابعة هذه العملية بعد قدومهم إلى ألمانيا واللحاق بمن هم من جيلهم. هناك العديد من الجهات تعمل على مساعدة الأطفال عند وصولهم، ليكونوا قادرين على بناء حياتهم من جديد، وهذا يحتاج لعمل مشترك، تقول بيكر: “تعرض أغلب الأطفال لصدمات نفسية، ولفترات ابتعدوا فيها عن المدارس، لذا هم بحاجة لمساعدة حقيقية، خاصة أنهم قضوا سنين بعيداً عن مقاعد الدراسة، وهم بحاجة لرعاية خاصة، والمدارس هنا غير مجهزة لهذا الأمر”.
مساعدة الأطفال واجب إنساني
يرغب العديد من الناس تقديم يد العون باختلاف أماكنهم وأعمالهم لمساعدة الأطفال اللاجئين، والمحامية نهلة عثمان المختصة بقضايا اللجوء والهجرة في ألمانيا واحدة منهم، فهي تسعى لاستقبال طفل في منزلها والإعتناء به بغض النظر عن جنسيته أو جنسه، تقول: “لدي الامكانيات المادية لرعاية طفل وأرغب بذلك حقاً”، وتشير إلى: “من يرغب بالقيام بذلك، عليه أن يقدم طلب في اليوغند أمت، لوضع اسمه بأنه مستعد لرعاية طفل أو أكثر، بشرط أن يكون لديه دخل كافِ ومكان مناسب في المنزل”. لكنها تؤكد على أهمية أن تقوم الحكومة الألمانية على جلب العائلات، لا أن يقتصر الأمر على جلب الأطفال فقط، فالمخيمات في الجزر اليونانية لا توجد فيها أيٌ من معطيات السلامة والرعاية الصحية والنفسية.
وكانت عدة ولايات ألمانية أبدت استعدادها لإستقبال عدد أكبر من الأطفال اللاجئين، لكن عثمان تشير إلى مخاوف الحكومة الإتحادية من أن تأخذ هذه الخطوة وحدها دون مساهمة دول أوربية أخرى لجلب الأطفال من الجزر اليونانية، بالاضافة للقلق المترتب على أن هذه الخطوة ستُشجع قدوم دفعات جديدة من اللاجئين الموجودين في تركيا، لذا تجد أنه من الضروري الضغط أكثر لمطالبة أوربا بالمساهمة سريعاً لإنقاذ هؤلاء الأطفال. وفي هذا الشأن قال سيهوفر: “أفترض أن شركائنا الأوروبيين سيبدأون بتنفيذ التزاماتهم في أقرب وقت ممكن”.
دعوة لمشاركة الجميع بمساعدة الأطفال على تجاوز الصدمة!
تتفق غادة الخطيب مع كلا السيدتين، فلن يكون الأمر سهلاً على الأطفال في البداية، سيلاحظوا الإختلاف مابين هنا وهناك، فهنا الكثير من كل شيء، في حين كانوا محرومين من كل شيء. تلك الفروقات قد تشكل صدمة قاسية لهم، لكن على الجميع العمل لمساعدتهم على تجاوزها. كما تُذكر الخطيب بنفس الوقت، أن الأطفال الذين اتوا عام 2015 تأقلموا لاحقاً على الرغم من افتقادهم لأهلهم ورغبتهم بلم شملهم. تدرس غادة الخطيب في قسم رعاية الأطفال في مدينة ماينز، تقول: “نظرياً أنا لست مع أن يقوم الأهل بارسال أطفالهم لوحدهم، ولكن أحياناً قساوة الحياة تدفعهم لفعل ذلك”، الخطيب أم لطفلين أتت إلى ألمانيا عام 2014، وأثناء دراستها زارت مركزاً لرعاية الأطفال -كيندر هايم- تقول: “كان الوضع مقبول، كنا نتحدث مع الأطفال ونلعب معهم، لكن عُدت باكية إلى منزلي لقد كانوا بعمر أطفالي، كأم أستطيع أن أتفهم تقبل بعض الأهالي أن يعيش أولادهم بعيداً عنهم، إن كانوا سيحظوا بحياة أفضل مما هي وهم معهم، ولكن ذلك أمر قاس جداً وصعب، ولا يقوم بذلك من هو غير مضطر”، وتضيف: “سيواجه الأطفال اللاجئين التحديات نفسها التي واجهناها سابقاً، كاللغة والدراسة والاندماج، ابتعادهم عن ذويهم سيجعل الامر صعبا في بدايته و لكن نمط الحياة السريع هنا وقدرتهم كأطفال على التأقلم ستساعدهم في تجاوز ذلك بسرعة”.
الجدير بالذكر أن أول مجموعة من الأطفال اللاجئين غير المصحوبين من أفغانستان وسوريا وإريتريا، وصلت من المخيمات اليونانية إلى ولاية سكسونيا السفلى صباح السبت الماضي، وذكرت وزارات الداخلية في الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات بولاية سكسونيا السفلى أن الأطفال الـ 42 والمراهقين الخمسة، سيتم استيعابهم بالبداية في منشأة بمنطقة أوسنابروك لمدة أسبوعين حتى تنتهي فترة الحجر الصحي.