هنا في ألمانيا، كم تمنينا أن يأتي شهر رمضان في فصل الشتاء أو أن تُقفل جميع مراكز العمل والمدارس، لنبقى أطول فترة في منازلنا، فالصيام في فصل الصيف يعتبر من أطول الفترات على عكس ذلك في فصل الشتاء، قد تصل مدة الصيام يومياً في الصيف إلى 19 ساعة، وفي بعض المناطق شمال ألمانيا قد تزداد هذه الساعات قليلاً.
كل هذه التمنيات جلعتني أتساءل، ماذا لو جاء رمضان في ظل هذه الأزمة، فالجميع ينصح بأن لا نخرج من منازلنا إلا للحالات الضرورية، هذا ما كنا نتمناه عندما قدمنا إلى ألمانيا على مدار الخمس سنوات، لنصوم كامل رمضان كما اعتدنا، فاليوم طويل والشمس إن أشرقت فهي حادة، كما أخبرني صديقي عندما قررنا أن نمشي كل يوم نصف ساعة تحت أشعة الشمس، كان الاتفاق أن نمشي بشكل يومي، إلا أن أشعة الشمس جعلتنا نتراجع عن قرارنا، يومها أخبرني صديقي أن “الشمس تجلس على رقبته”، ومن الاعتقادات الخاطئة التي شعرنا بها ولربما نشعر بها إلى يومنا هذا، أنه حتى عند الإفطار يجب أن ننتظر إلى ما بعد أشعة الشمس البرتقالية المتوهجة عند الغروب حتى تزول، فهذه الفترة قد تطول في بعض الأحيان إلى 15 دقيقة ونحن في حالة من الاستغراب والتأمل بهذا اليوم الطويل، إلا أن حلاوة الصيام تنسينا تعبنا وانتظارنا للغروب.
نحن الآن منذ شهر تقريباً في المنازل، ما تمنيناه ليحصل في شهر الصيام قد حصل ورمضان بعد عدة أيام، يتوجب على الجميع البقاء في المنازل ليس بسبب التعب أوالعناء من الصيام الطويل، فعلى مدار السنوات الماضية وفي كل رمضان كنا نمارس أعمالنا بشكل معتاد، في احدى المرات وأنا في دورة اللغة الألمانية، سألتني المعلمة التي درستني المستوى الأول للغة “B1” وأنا صائم، هل تصوم شهر رمضان كاملاً؟، جاوبتها نعم، نحن نصوم الشهر نهاراً، أي أننا نصوم عند اشراقة الشمس ونفطر عند غروبها؟ نظرت إلي باستغراب وقالت وماذا عن المياه!، هل تشرب الكمية المناسبة من المياه يومياً؟ وهي تقصد أن الإنسان يستطيع الصوم عن الطعام ولكن عن الماء هذا أمر محال!، جاوبتها نحن نصوم عن الطعام والشراب في النهار، إلا أننا نأكل ونشرب ليلا ما نشاء باستثناء الكحول ولحم الخنزير فهو حرام ولا ينبغى لنا أن نأكل أو نشرب ما حُرم علينا كمسلمين.
أجوبتي لم تقنع المعلمة كثيراً، وراحت تسرد لي أنها ذهب مرة إلى احدى الدول في الخليج العربي، هناك لم تستطع أن تكمل ساعة واحدة دون أن تشرب الماء، فالحرارة مرتفعة وجسم الإنسان يطلب ذلك، حتى أنها سردت لي بعض القصص عن صيامها وصيام من تعرف من أصدقائها، قالت إنها تصوم مدة 40 يوماً في العام، وأن صيامها يقتصرعن عدم تناول الحليب والمأكولات الحيوانية، إلا أنها تشرب الماء بشكل غير منقطع، ولا تستطيع أن تمنع جسمها عن تناول الكميه الجيدة من الماء، وأخبرتني أن أحد أصدقائها يصوم فقط عن سماع الموسيقى طيلة فترة الصيام المحددة في دينها، لم تقتنع كثيراً بصيامنا وطالبتني أن نبقى في المنازل ولا نخرج منها في حال امتناعنا عن شرب المياه في الأيام القادمة!
ماذا لو كان فيروس كورونا سبباً لبقائنا في المنزل، هل سنقول أن هذا الفيروس منحنا ما تمنيناه وها نحن في المنازل منذ الشهر تقريباً؟ وسيكون لنا ربما أن نبقى أيضاً شهر رمضان كاملاً في المنازل، أنا شخصيا حاولت جاهداً أن أبقى في بيتي، إلا انني فشلت لأسباب كثيرة، ليس أولها تسوق الحاجيات الأساسية، والسبب الأخر الذي منعني من البقاء في المنزل هو هذا الطقس غير المعتاد بمدينة هامبورغ، فالشمس لا تشرق كل يوم هنا! لكن إن طلبت منا الحكومة البقاء في المنازل خلال الفترة المقبلة التي تتصادف مع شهر رمضان، فسيكون ذلك لعمري إن صح القول: أتت الرياح بما تشتهي السفن.. بالإذن من المتنبي طبعًا!