بينما كانت الأجراس تقرع إيذانا بانطلاق احتفالات العالم بأعياد الميلاد ورأس السنة قبل أيام، وبينما كان الناس في معظم أنحاء العالم يتسوقون وينتقون أنواع مختلفة من الهدايا التي سيضعونها تحت شجرة الميلاد المزينة بالأضواء كي يتبادلوها في ليلة الميلاد التي توافق الـ 24 من ديسمبر/ كانون الأول، كان ناقوس الخطر يدق في اليمن، محذرا من كارثة جديدة تتربص باليمنيين، فمؤخرا مع دخول فصل الشتاء، بدأ وباء انفلونزا الخنازير بالانتشار في البلد.
مطلع ديسمبر/ كانون الأول تبدأ –في معظم دول العالم- الاستعدادات للاحتفال بالكريسماس، ورأس السنة، بتزيين الشوارع وواجهات البيوت والنوافذ بالمصابيح الملونة، هنا في ألمانيا تم نصب أكشاك (Weihnachtsmarkt) في الساحات العامة، وهي أكشاك تباع فيها أشهى وألذ المأكولات والمشروبات الساخنة، بينما كانت بداية ديسمبر مختلفة في اليمن حيث تم الإعلان عن أول حالة وفاة بأنفلونزا الخنازير.
كنت أشاهد أطفال صديقة المانية يقومون بتنظيف أحذيتهم ويضعونها أمام الباب حتى يأتي بابا نويل (نيكولاس تاغ) ليضع فيها الحلوى، ففي السادس من ديسمبر يتم الاحتفال بيوم “بابا نويل”، حيث يترك الأطفال في ألمانيا أحذيتهم الشتوية ذات الرقبة الطويلة أمام الباب أو أمام المدفأة قبل ذهابهم للنوم، ويتنظرون بشغف صباح اليوم التالي، فيأتي بابا نويل (نيكولاس) في الليل ويضع الحلوى والهدايا الصغيرة داخل تلك الأحذية، وهو تقليدا يعود تاريخه لأيام الأسقف البيزنطي نيكولاس ميرا، ومعروف أيضا في الولايات المتحدة الأمريكية باسم “سانتا كلوز”، الذي يتسلق المدفأة في عيد الميلاد ويجلب الهدايا.
منظر الأطفال وحماسهم استحضر في خاطري صورة لأطفال اليمن، لكن ليس وهم يستعدون لهدايا “بابا نويل” بل وهم يخيطون أحذيتهم الممزقة ليتمكنوا من انتعالها كي تقيهم -بعض الشيء- وعورة الطريق الشاق التي سيقطعونها صباح اليوم التالي في رحلتهم الشاقة للبحث عن قطرة ماء للشرب، أو لجمع الحطب لإعداد وجبة غداء، أو وهم يجمعون علب البلاستيك من الشوارع لبيعها مقابل مبلغ زهيد لا يكاد يكفي لشراء أرغفة خبز تسد حاجة أسرة صغيرة.. يالها من حياة قاسية على أطفال اليمن! حتى بابا نويل لا يزورهم.
في ليل السادس من ديسمبر/ كانون الأول من كل عام، يحلم أطفال العالم بالهدايا التي سيجدونها في أحذيهم عندما يستيقظون، بينما لا ندري كيف يعرف أطفال اليمن بانتهاء عام وقدوم آخر، وشخصيا أتوقع أن ذلك آخر ما يمكن أن يثير فضولهم، في ظل ما يعانونه.
لا مجال لإنكار أن أطفال اليمن يعيشون أكبر كارثة في الوقت الراهن، لكن حتى مع الاعتراف بذلك فإن هذه الكارثة بالحقيقة أكبر من أن نتخيلها ونكتب عنها. جنّد الحوثيين مئات وآلاف الطلاب من داخل الفصول الدراسية وأرسلوهم قسرا إلى جبهات القتال، ودمرت الغارات الجوية للتحالف بقيادة السعودية عشرات المدارس، فيما تسبب توقف صرف رواتب موظفي الدولة بانهيار التعليم بشكل كامل! تقول منظمة “أنقذوا الأطفال” البريطانية إن أكثر من 2 مليون طفل يمني لا يذهبون إلى المدرسة، أما الذين يذهبون فيحصلون على تعليم بجودة متدنية داخل غرف صفية مكتظة، بينما أجبر نحو 1.5 مليون طفل على التشرد والنزوح.
قُتل الأطفال واصيبوا نتيجة للحرب وكانوا الشريحة الأكثر تضررا من انتشار الأوبئة كحمى الضنك والكوليرا والدفتريا، نتيجة انهيار النظام الصحي، ومع تدهور الاقتصاد وازدياد حجم التحديات التي تواجهها الأسر في تأمين قوتها الأساسي، اتجه آلاف الأطفال إلى سوق العمل ومارسوا مختلف المهن التي يمكن أن تساعدهم في كسب القليل من المال، بما فيها الأعمال الشاقة والخطيرة، كأعمال البناء والحدادة والنجارة، ولا تقتصر عمالة الأطفال على الذكور، وبحسب تقارير تزايد انخراط الأطفال اليمنيين في سوق العمل مؤخرا بنسبة 300% مقارنة بما قبل الحرب.
استقبل أطفال العالم العام الجديد بالهدايا والألعاب والحلوى والأحضان الدافئة، بينما يخلد 7 مليون طفل يمني إلى النوم كل ليلة وهم جياع، بحسب “أنقذوا الأطفال”، ويواجه 400 ألف طفل خطر سوء التغذية الحاد، وخطر الموت في أي لحظة، فيما 5.2 ملايين طفل يمني يواجهون خطر المجاعة.
كان على بابا نويل أن يمر بكيسه السحري من اليمن ويهدي أطفالها قليلا من الخبز والدفئ والأمان، فهذا كل ما يحتاجونه ويحلمون به، وكان بذلك سيساهم في محو آثار أكبر وضع سوداوي يعيشه أطفال في القرن الـ 21، وكان سيداوي مروره جراحهم النفسية والجسدية، ويعيد أحلامهم التي تحطمت، وحياتهم التي تحولت إلى كابوس.
- سماح الشغدري شاعرة وكاتبة وإعلامية من اليمن
- Photo: Amal, Hamburg