تعتبر الاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري التي دخلت حيز التنفيذ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2106 في 4 يناير 1969، أهم اتفاقية تم التوصل لها بهذا الخصوص، وتنص في احدى موادها على أن البشر يولدون جميعا أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق، ولكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات، دون أي تمييز لا سيما بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي، وأن جميع البشر متساوون أمام القانون ولهم حق متساوٍ في الحماية من أي تمييز ومن أي تحريض على التمييز. ورغم التوجه الجدي لمحاربة العنصرية، إلا أنها للأسف لا تزال موجودة ولديها ما يغذيها.
عودة اليمين للبرلمان الألماني!
لا يختلف الأمر سواء أكنت في الشرق أو الغرب! في الدول الأوربية ومنها ألمانيا يتم استخدام الكثير من المصطلحات للدلالة على انتماءات الأشخاص أو أعراقهم في اطار الحديث عن إجراءات الاندماج أو ضرورة التنوّع الثقافي بالمجتمع الألماني، خاصة بعد صعود حزب البديل من أجل المانيا الذي تأسس في برلين بتاريخ 6 فبراير عام 2013، كرد فعل على سياسة إنقاذ اليورو، وهو حزب يميني متطرف. صحيح أن هذا الحزب لم يحقق سوى 5% من الأصوات المطلوبة لدخول البرلمان خلال الانتخابات الفدرالية عام 2013، لكن شعبيته تزايدت، وأصبح عام 2017، ثالث أكبر حزب في ألمانيا، إذ حصل على 94 مقعدا في البرلمان، ليصبح بذلك أول حزب يميني قومي يدخل البوندستاغ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
يستخدم حزب البديل أساليب متعددة في حملته الترويجية لبرنامجه الانتخابي، واحدة منها الفن أو ما يسميه الثقافة العليا والتي تعتمد على استخدام الصور التاريخية التي تجسد العنصرية تجاه العرب والمسلمون. وقد قام بعمل ملصقات في برلين أثناء حملته الانتخابية الأخيرة لمرأة بيضاء وحولها رجال سمر وكتب أسفل اللوحة “كي لا تتحول أوروبا الى بلاد العرب”! تصاعد حزب البديل لا يقلق فقط العرب والمسلمين وكل من ينحدر من خلفية أجنبية، بل يقلق أيضاً الالمان أنفسهم، فقد صرح رئيس بلدية مدينة تروغليتز في ألمانيا الشرقية سابقًا، عقب وقوع جريمة قتل المسؤول المحلي في مدينة كاسل غرب ألمانيا والمعروف بدفاعه عن اللاجئين، فالتر لوبكه، قائلاً: “حين ينشط اليمين المتطرف بقوة أشعر بالخوف الشديد”.
المعرفة ترياق ضد العنصرية
في كل الأحوال العنصرية بكل أشكالها وأنواعها مقيتة ولا يمكن التبرير لها تحت أي مسمى أو غطاء، والقضاء على العنصرية الناتجة عن عدم المعرفة التي نسهم نحن أحيانا في احاطة نفسنا بها، مهم جدًا. أغلبنا أصبح له وطن بديل أو قسري نتيجة ما تمر به بلداننا، وبالتالي يجب أن نتعرف على كل ما يتعلق بالبلد البديل، اللغة مثلا تعتبر وسيلة من وسائل ممارسة العنصرية التي تؤخذ كعذر للتهميش، لذلك يجب معرفة القوانين والسلوك الاجتماعي، ليس فقط للبلدان التي نعيش بها بشكل عام، بل وأيضا للمنطقة التي نسكنها.. عدم المعرفة يجعلنا نلجأ لبناء أسوار حولنا لحماية أنفسنا، ويجعل البعض منا يتمسك بالماضي، وهو الأمر الذي يشوش الرؤية نحو المستقبل ويساهم في خلق حاجز بيننا وبين المجتمع الجديد، أو يجعلنا محل شك وريبة، وبالتالي سنكون عرضه للأفعال العنصرية. لكن لا يجب النظر إلى الجزء الفارغ من الكأس، وترك الجزء الممتلئ، هناك بالمقابل نماذج تعلمت وكسرت الحواجز ووصلت حد تحقيق طموحاتها وأهدافها، والتجارب الشخصية في هذا الاطار كثيرة ومتنوعة.
قال أحد المتحدثين بلسان كونداليزا رايس، وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية السابقة: “لو لم تقم ماكولي بتحريرالسود، فربما لم أكن موجود الآن كوزيرة خارجية”، وهي بالطبع تتحدث عن روزا لويس ماكولي الناشطة الأمريكية من أصول إفريقية، والتي انتصرت لحقوق السود الأفارقة في أمريكا، حين رفضت طلب سائق الحافلة بالتّخلي عن مقعدها في “القسم الملوّن” إلى راكب أبيض البشرة، بعد امتلاء القسم الخاص بالركّاب من أصحاب البشرة البيضاء؛ فكان ان استدعى السائق الشرطة لتلقي القبض على روزا، وتمت محاكتها بتهمة الاخلال بالانضباط! تقول ماكولي في سيرتها الذاتيّة: “يقول النّاس دائماً أنني لم أتخلّى عن مقعدي لأنني كنت متعبة لكن هذا غير صحيح، لم أكن متعبة جسديّاً.. لقد كنت متعبة من الاستسلام”.
نحن أيضا يجب علينا أن نتعب من أن يسير كل شيء حولنا ولا نعرف عنه شيء، يجب أن نتعب من الاستسلام لعدم المعرفة، وأن نقاوم كل شيء بشرف المحاولة، يجب أن نرفض ما يجري حولنا من اقصاء وتهميش، وأن نساهم بتعزيز المساواة ورفض التمييز.. لدينا مضاد فعال ضد العنصرية، هو المعرفة، لنستخدمه إذا. (العنصرية الناعمة الجزء الأول)
- سماح الشغدري
كاتبة وشاعرة وإعلامية من اليمن
Photo: