Fotos: Ahmad Alrifaee
28. أغسطس 2019

بالصور: رحلتي من هامبورغ إلى درسدن ضد العنصرية والإقصاء

سمعت عن مظاهرة Unteilbar والتي يقابلها بالعربية “غير قابلين للانقسام” عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل عدة أسابيع. قرأت عن التحضيرات لها وعن أهدافها وشعاراتها، بالإضافة إلى الأسباب التي جعلت المنظمين يختارون مكان المظاهرة في مدينة مثل دريسدن، فـ “صيتها يسبقها” كمركز لليمين المتطرف في شرق ألمانيا، ومن هناك انطلقت حركة بيغيدا، وهناك أحد أكبر معاقل حزب البديل من أجل ألمانيا. ليس ذلك وحسب، بل إنّ توقيت المظاهرة أتى قبل انتخابات ولاية ساكسونيا بأسبوع واحد فقط.

تحمست كثيراً للذهاب إلى هناك وتغطية الحدث، نعم إنها رحلة طويلة من هامبورغ إلى درسدن، ولكن حماسي كان

في الطريق إلى درسدن.

عالياً فلم يستطع أحد التكهن إن كان كل شيء سيسير بشكل سلميّ، وأنا معتاد على الأحداث “غير السلمية”، فسبق لي وأن عملت كصحفي في سوريا، ويجب أن أعترف بأنني أفتقد الإثارة التي اعتدت عليها هناك. فهل سأعيش بعضها هنا؟

الطريق إلى درسدن

 

وفّر المنظمون حافلات وقطارات من أماكن عديدة في ألمانيا لنقل المتظاهرين إلى درسدن. ذهبت إلى موعد الحافلة في هامبورغ يوم السبت الساعة 3 فجراً، وإذ بحوالي 300 شخص ينتظرون قرب محطة Dammtor. قدمت الحافلات الـ 5، وانطلقنا برحلة استمرت 8 ساعات، كانت تشبه الرحلات المدرسية، فالمزاج جيد لدى الجميع، الطعام والشراب حاضرين، والضحكات والقصص تملأ الحافلة.

تحدثت إلى العديد من الهامبورغيين في الحافلة وسألتهم عن سبب رغبتهم بقطع هذه المسافة الطويلة من أجل المظاهرة. تعرفت إلى  ليلي ويوهانا اللتان تقيمان قرب هامبورغ في شونيفيلد وقالتا لي: “نسافر اليوم بدافع التأثير سياسياً في ولاية ألمانية بعيدة وشكل الحراك فيها مختلف. والسبب المهم الآخر أننا نرغب بالتواجد بين هذا العدد الهائل من الناس التي تتشارك معنا قيمنا الأساسية، فهذا يعطينا شعوراً مميزاً يملؤه الأمان”.

لارس غايدل.

أمّا لارس غايدل فقال لي: “السبب الذي دفعني لذلك بسيط، ألا وهو رفع الصوت عالياً لأجل الإنسان بغض النظر عن أيّ انتماء، إن كان دينياً أو جنسياً أو عرقياً، بالإضافة لتسجيل موقف في قلب أكثر ولاية ألمانية حدث فيها صراع حول هذا الأمر البديهي”.

موزاييك من البشر

وصلنا إلى درسدن، توجهت مباشرة إلى مكان التجمع الذي ستنطلق منه المظاهرة لتسير مسافة 4.5 كم. كم هائل من الناس، من كل الألوان والأعراق والانتماءات. كلٌ قادمٌ مع مطالبه، فأكثر من 250 منظمة شاركت في المظاهرة، منها أحزاب ومنظمات وحركات وتجمعات وجامعات .. الخ. الكثير من الجميع: مسلمون، سود، مهاجرون، أكراد، عرب، آسيويون، أمريكيون جنوبيون، يهود، دعاة حماية البيئة ومثليون. لن يسع هذا التقرير بالطبع لسرد كل الفئات التي شاركت بهذه المظاهرة، أو إن صح التعبير هذا الموزاييك المشكل من البشر.

إمرأة ترفع لافتة مكتوب عليها “Free hugs”.

سار 35 ألفاً من الناس في المدينة، رفعوا أصواتهم عالياً تحت شعار “من أجل مجتمع منفتح وحرّ”. وعند وصولنا إلى مكان تجمع المظاهرة في حديقة Cockerwiese الكبيرة وسط درسدن كان المشهد أشبه بمهرجان. مسرح كبير، ألقى عليه عدة متحدثين كلمات تخص المظاهرة أو المواضيع المتعلقة بها، والكثير من الموسيقى والغناء أيضاً لهذه الجموع الغفيرة. في الطرف المقابل كانت هناك الكثير من المطاعم المتنقلة الآتية من العديد من بقاع الأرض، ملونة ومتنوعة كما المظاهرة.

إثارة مع أتباع AFD

انتهت المظاهرة، نظرت إلى الناس التي تغادر المكان وأنا أفكر أن كل شيء سار بشكل سلميّ. بالتأكيد لا أتمنى عكس ذلك، ولكن من تعود على المظاهرات بأنها مغامرات فقط، فلن يصدق عقله الباطن أنّ هذا الحدث الحاصل هو مظاهرة أيضاً. ولكنني قطعت أفكاري الغريبة وذهبت لأرتاح قليلاً بعد يوم طويل جداً.

درسدن يوم السبت مساءً.

في صباح اليوم التالي خرجت مبكراً من الفندق لألقي نظرة على درسدن الساحرة قبل عودتي إلى هامبورغ، لم أتوقعها بهذا الجمال وهذه الأناقة، ولكن ليس غريباً أن تسمّى فلورنسا الشمال (فلورنسا مدينة تقع شمال وسط إيطاليا وتعد مهد للفن والعمارة). مركز المدينة والذي يمر به نهر إلبه يمتلأ بالأبنية القديمة الأثرية، قلاع وقصور وكنائس وجدران فسيفسائية. نسيت نفسي وأنا أمعن النظر بزوايا درسدن القديمة، حتى صار موعد عودتي إلى هامبورغ، فذهبت إلى ساحة المدينة القديمة، حيث موعدي مع أصدقائي المسافرين إلى الشمال.

في هذه الوقت وأنا أنتظر أصدقائي، شاهدت وسط الساحة فعالية خاصّة بحزب البديل من أجل ألمانيا AFD، فانتخابات ساكسونيا قد اقتربت وهم يحضرون أنفسهم ويقومون بحملات دعائية. فكرت للحظة أنّ أذهب والتقط بعض الصور لأضيفها لقصتي، فيوم الأمس كانت هناك مظاهرة لوّنت المدينة بكل شرائح المجتمع، واليوم يظهر وسط المدينة بمظهر القوميين الإقصائيين، مفارقة لم يسعني أن أمر عليها مرور الكرام. التقطت صورتين، وقبل أن أضغط الزر لأصور الثالثة تفاجأت برجل ضخم صورني بكاميرا هاتفه المحمول وقال لي أنني يجب أن أغادر مكان تجمعهم. سألته لماذا؟ فقال لي أنني أصور وجوه الناس وهذا ما أثار شعور الغضب لدى بعض الحضور (إمّا ناخبين أو أعضاء من الحزب)، وأنا لم أقم بذلك بالتأكيد. رفضت المغادرة وطالبته بالتكلم مع الشرطة للتحدث معي إن كان ملحّاً على طلبه. نظرت حولي، وإذ بـ 5 رجال ينظرون لي وكأنهم يريدون تهديدي بالقول: إذهب من هنا وإلّا ..! تحدث لنفسي: نعم، لم تحدث الإثارة في المظاهرة، ولكنها تحدث الآن على الأقل. طال الحديث بيني وبين هذا الرجل الذي تدخل بجسده لإبعادي من المكان، فظهرت الشرطة في هذه الأثناء.

لم أنتظر أطول من 10 دقائق حتى انتهت الشرطة من عملها، فظهر عدم صحة الادعاءات التي قدمها الرجل ضدّي بعد أن قام عنصر شرطة بالتأكد من عدم تصويري لأشخاص بشكل منفرد أو بقصد إظهار الوجوه، وتلقّى الرجل تنبيهاً من الضابط بأن تكرار هذه الأفعال ستؤدّي إلى المسّ بالقانون.

عندها كنت قد تأخرت بالفعل على موعدي، تحركت بسرعة وأنا أفكرّ أن ما تمنيته في داخلي قد حصل، فقليل من الأدرينالين لا ضرر له مع مظاهرة قطعت من أجلها مسافة 500 كم و8 ساعات في حافلة بقصد بغرض تصويرها والكتابة عنها.

بعض الصور من يوم المظاهرة:

مشاركة كبيرة للجالية السورية في المظاهرة

Foto: Ahmad Alrifaee

لافتة كُتب عليها (من غرباء يمكننا أن نصبح أصدقاء)

Foto: Ahmad Alrifaee

لافتة كُتب عليها (قردة، متماثلات الأرجل، حمقى) بالإشارة لحزب البديل AFD

Foto: Ahmad Alrifaee

علم بألوان قوس قزح مكتوب عليه سلام بالعربية وشالوم بالعبرية

Foto: Ahmad Alrifaee

جدّات ضد اليمين

Foto: Ahmad Alrifaee

الموسيقى تملئ المكان

Foto: Ahmad Alrifaee

جانب من المظاهرة

Foto: Ahmad Alrifaee

العدالة لأجل المناخ

Foto: Ahmad Alrifaee

المطالبة بميناء آمن في ماغديبورغ لأجل استقبال اللاجئين

Foto: Ahmad Alrifaee

نشطاء (أيام الجمع من أجل المستقبل) على إحدى اللافتات (قاتل لأجل كوكبك وليس من أجل بلدك)

Foto: Ahmad Alrifaee

على اللافتة الأولى (حق البقاء للجميع) وعلى الأخرى (أوقفوا تصدير الأسلحة)

Foto: Ahmad Alrifaee

علم فلسطين حاضر أيضاً

Foto: Ahmad Alrifaee

درسدن ليلاً على نهر إلبه

Foto: Ahmad Alrifaee

 

Fotos: Ahmad Alrifaee