تقوم الجمعيات الإسلامية وإدارات المساجد كل عام في ألمانيا، بإقامة إحتفالات وأنشطة جماعية وترفيهية تجمع الجاليات العربية والمسلمة ببعضها خلال الأعياد، وتهدف هذه التجمعات لخلق أجواء من التواصل والفرح شبيهة بتلك التي كانوا يعيشونها في بلادهم، وليستذكروا مع أطفالهم ذكرياتهم وإحتفالاتهم التي كان يملأها الدفء والألفة في أوطانهم. رغم ذلك، يرى معظم المسلمون في بلاد المهجر بأنهم ما زالوا يفتقدون في غربتهم لروحانية الأعياد التي كانوا يعيشونها في بلادهم.
ما هو عيد الأضحى ولماذا يحتفل المسلمون فيه؟
عيد الأضحى هو أحد أهم الأعياد عند المسلمين، ويوافق يوم 10 ذو الحجة في التقويم الهجري، ويأتي في اليوم التالي ليوم عرفة الذي يؤدي فيه الحجاج أهم مناسك الحج بالصعود إلى جبل عرفات. يستمر عيد الأضحى لأربعة أيام وينتهي يوم 13 ذو الحجة، حيث ينهي الحجيج مناسكهم. في أول أيام العيد يقوم الحجاج في منطقة “منى“، بتقديم الأضحيات تقرباً لله، ومعهم كل مقتدر من المسلمين في كافة بقاع الأرض. ترتبط شعيرة الحج بقصة نبي الله إبراهيم عليه السلام عندما رأى رؤيا أمره الله فيها بالتضحية بإبنه إسماعيل. آمن كلاهما بالرؤيا، وطلب إسماعيل من والده أن ينفذ ما أُمر به، فجاء أمر الله لإبراهيم بأن يذبح أضحية بدلا عن ابنه، ولذلك يقوم المسلمون من وقتها بالتقرب إلى الله في هذا اليوم بالتضحية بأحد الأنعام وتوزيع لحمها على الأقارب والفقراء، ومن هنا جاءت تسمية عيد الأضحى.
لعيد الأضحى عدة أسماء منها: يوم النحر، وعيد الحجاج، والعيد الكبير، ويعتبر الاسم الأخير الأشهر في بلاد الشام وشمال إفريقيا. تتسم أيام العيد بالتلبية والتهليل والإكثار من ذكر الله، وتعتبر أيام فرح وعطاء وعطف على الفقراء، ومن السنّة أن يصلي المسلمون صلاة العيد بشكل جماعي. في أيام العيد ورمضان والحج تزدان المدن والقرى، ويلبس الأطفال أجمل الأثواب الجديدة، وتكثر الحلوى والفواكه واستقبال الضيوف في بيوت المسلمين.
يُسن في هذا اليوم أن يذهب المسلم إلى صلاة العيد من طريق، وأن يعود إلى بيته من طريق آخر لتكثر الخطوات، ويكبر الثواب. صلاة العيد ركعتان، يكبّر في الأولى سبعاً سوى تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمساً سوى تكبيرة القيام، وتقام في صباح أول أيام العيد، ويخطب الإمام بعدهما خطبتين يدعو فيها إلى المحبة والتآخي. اعتاد المسلمون على تقديم التحية لبعضهم البعض فور انتهائهم من أداء صلاة العيد، حيث يقوم كل مسلم بمصافحة أخيه المسلم قائلاً “تقبل الله منا ومنكم” و“كل عام وأنتم بخير“.
لماذا لا يشعر المسلمون المغتربون بأجواء العيد كما في بلادهم؟
في بلاد الإغتراب تبقى مظاهر الاحتفال بالأعياد محدودة، تقيّدها ظروف الحياة والمعيشة والتزامات العمل. تقتصر إحتفالات المسلمين هناك على إقامة صلاة العيد في المسجد ومعايدة بعضهم البعض خلال اليوم الأول، والذهاب مع العائلة إلى الأماكن التي تقام فيها الإحتفالات بمناسبة عيد الفطر أو عيد الضحى. تقام هذه الإحتفالات عادة في أماكن محددة كالملاعب أو مدارس، ويتم تأجيرها للمجمعيات الإسلامية التي تقوم بدورها بإقامة الإحتفالات خلال الأعياد.
احتفالات العيد في هامبورغ
زرنا مكانين مخصصين للاحتفال بعيد الأضحى في هامبورغ لنتعرف على الأجواء هناك، وقابلنا أحد المحتفلين الذي عرّف عن نفسه بـ هيثم أبو أسعد، وقال بأنه يقيم في ألمانيا منذ ثلاثة سنوات. سألنا أبو أسعد عن الفرق بين العيد في ألمانيا وبين بلده الأم سوريا، فأجاب متنهداً مع ابتسامة تخفي خلفها الكثير من الحرقة: “غادرت سوريا منذ ستة أعوام، لم أذق خلالها طعم الفرح الذي عشته خلال خمسين عام في بلدي، كان العيد في سوريا الحبيبة أبهى وأجمل. هناك كانت تجتمع العائلة بأكملها في مثل هذه الأيام، وكانت النساء تقوم بإعداد حلوى ومعمول العيد في يوم الوقفة. كان أروع شعور حينها هو لمة الأهل وزيارة الوالدين ومعايدة الجيران والأقارب. كنا نعيش أجواء العيد قبل أيام من قدومه، وكان عيد الفطر هو الأجمل، حيث كانت الأسواق تعجّ بالناس خلال الأيام الأخيرة من رمضان، وكذلك أيام الحج التي كان الناس يحضّرون أنفسهم فيها لإستقال عيد الأضحى ومن ثم استقبال عودة الحجاج من الحج. في بلدنا كنا نأخذ عطلة خلال أيام العيد، أما هنا فإن العيد يمر كأي يوم عادي، الناس تفكر هنا كيف تعيش فقط” ثم ختم أبو أسعد كلامه بهذين البيتين ملخصاً بهما الحياة في الغربة حين قال:
جسمي معي غير أنّ الرّوح عندكم.. فالجسم في غربةٍ والرّوح في وطن..
فليعجب النّاس منّي أنّ لي بدنــــــاً.. لا روحٌ فيه وأن لي روح بلا بدن..
كيف يؤدي مسلمو ألمانيا شعائر العيد؟
هناك تسهيلات تقدمها الحكومة الألمانية للمسلمين في ألمانيا، حيث تَعتبر ولايات مثل برلين وهامبورغ وبريمن، أنه من حق المسلمين الإحتفال، لذلك يمكنهم أخذ إذن من العمل أو المدرسة لمدة يوم واحد خلال الأعياد الإسلامية. وعن ذلك قال عبد الله د. العامل في احدى شركات التدفئة المركزية: ”هنا تتوفر المساجد في كل منطقة ويمكننا أداء صلاة العيد بشكل جماعي بكل حرية، كما يستطيع العامل أخذ إذن لمدة يوم واحد خلال العيد على أن لا يؤثر ذلك على حسن سير العمل. ولكن في هذا العيد سيكون الوضع افضل، لأن اليوم الأول للعيد سيصادف يوم الأحد وهو يوم عطلة نهاية الإسبوع، ورغم ذلك يمكنني أخذ يوم عطلة آخر خلال الدوام” وأردف عبد الله قائلاً: “للاسف أنا أعيش وحيداً هنا، وافتقد لفرحة العيد وأنا بعيد عن أهلي المتفرقين في عدة دول، وهذا يجعل فرحتي ناقصة، فلا أنا أستطيع زيارتهم ولاهم أيضاً، لذلك أجد بأنه من الأفضل أن أذهب إلى عملي بقية أيام العيد”.
أُمنية أم محمود في العيد
في إحدى زوايا الاحتفال، شاهدت سيدة في عقدها السادس تجلس على إحدى الطاولات وحدها، شدني وجهها البشوش فاقتربت منها وقمت بمعايدتها وسألتها إن كانت ستسمح لي بالجلوس، فلم تترد السيدة أم محمود بالترحيب وقالت لي تفضل “أمي“.. هنا جالت كلمة “أمي” في خاطري وتأججت المشاعر من روعة هذه الكلمة. سألتها إن كان معها أحد فأشارت بيدها: “ابنتي هناك تُلاعب أحفادي”. سألتها أن تصف لي هذه اللحظات التي تعيشها الآن في العيد، فاجأبتني بلهجتها البسيطة: “والله يا أمي الغربة كربة وفرحتنا على طول ناقصة بغياب أهلنا وأحبابنا بس من رضي عاش، وأنا فرحتي الكبيرة انو بنتي وأحفادي معي وأني عم شوفهم قدام عيني وهنن عم يلعبوا وفرحانين، وهذا الشي عم يخفف عني كتير بالغربة. بشكر الله يا ابني انو لقينا مين يستقبلنا بهي البلاد بعد ما تشردنا وقضينا كتير، يعني الحمد لله اجينا اليوم على صلاة العيد واجتمعنا مع الناس المغتربين متلنا، بس رغم هيك فرحتنا بتضل ناقصة طول ما عم نسمع شو عم بيصير بأهلنا بسوريا.. والله بقلبنا غصة كبيرة عليهم، وأصعب شي يا أبني انك تشوف حزن وجرح أهلك قدام عيونك وما تقدر تعملهم شي”. في هذه الأثناء إقترب أحفاد أم محمود منا فأردت أن أغير الموضوع، وسألتها عن أمنيتها بعد أن أصبحت تعيش بأمان في هذه البلاد.. فسكتت أم محمود لبرهة، ثم أجابت: “بتمنى ارجع لبلدي بيوم من الأيام وما موت بالغربة يا أمي”، هنا سكتت هي وسكتُّ أنا، وانتهى الكلام بيني وبين “أم محمود” ولم أستطع أن أسألها بعد ذلك عن أي شيء آخر، ثم ودّعتُها ورَحلت.
صور لإحتفال الجاليات العربية والمسلمة بعيد الأضحى في مدينة هامبورغ
Fotos: Mutaz Enjila