في سوريا وخاصة جنوبها، حيث كنت أسكن في قرية، كانت “حبة الخمسمية” هي الدواء لكل داء، فلا تكاد تخلو صيدلية منزلية (إن وجدت) من هذا الدواء السحري، وإذا لم توجد ففي محفظة الأم، أو الجدة، أو في مزهرية بالقرب من التلفاز هناك دائما ظرف “حبوب خمسمية”، فهذه الحبة بعرف الكثيرين هي حبة ساحرة تشفي كل الأمراض من الكريب، إلى وجع الظهر، والمفاصل، وأحيانا تأخذ مكانها حبة السيتامول التي درجت أيضا حتى أن البعض كان يحملها كما يحمل علبة سكاكر أو مسكة، لتأتي بعد ذلك حقنة “ديكلون” التي نافست حبة “الخمسمية” في السنوات الأخيرة، كونها أسرع تأثيراً وخاصة فيما يتعلق بالكريب والرشح.
هذه الحبة التي عادة ما تكون ذات لونين الأسود والأحمر هي الأكثر طلبا من الجيران، فغالبا ما كانت الأمهات أو الآباء يرسلون صغارهم إلى جيرانهم محملين لهم رسالة بعد التحية والسلام “بتقلك أمي اعطيني حبة خمسمية ظهرها بوجعها”، حتى أنها كانت تُصرف من بعض الصيدلات دون وصفة طبية، والبعض الآخر من الصيدليات خاصة تلك التي لا تطالها الرقابة -إن وجدت- كانت تعطي ظرف حب “خمسمية” أو سيتامول بدل الــ 10 ليرات المتبقية لأنه لا يوجد “فكة” هذا عندما كانت الـ 10 ليرات تتكلم.!
وصلت ثقافة حبة “الخمسمية” إلى الدراما السورية، خاصة تلك التي تعالج قضايا مجتمعية، وتركز على مناطق بعينها، ففي مسلسل “الخربة” للكاتب السوري الدكتور ممدوح حمادة والمخرج الليث حجو خصصت حلقة حمل عنوانها “حبة خمسمية” للحديث ولو بشكل رمزي عن سحر هذه الحبة، والتي في سبيل البحث عنها تسبب أبو نمر بوقعقور أحد شخصيات المسلسل المتغطرسة بقلع أسنان جميع رجالات عائلة بوقعقور عدا الاستاذ صيّاح الذي كان على خلاف مع “بو نمر”.
أما في بلاد الماما “ميركل” ألمانيا ومن ضمن معاناة السوريين الذين اعتادوا على أدوية مضادة الالتهاب والتي تندرج تحتها “حبة الخمسمية” يعاني السوريون في رحلة الحصول على ظرف حب من هذه الأدوية، حيث لدى الأطباء في ألمانيا حذر شديد بوصف الأدوية المضادة للإلتهاب، وبرأيي فإن ذلك هو الصواب بعينه، فبهذا تحاول أجسامنا وخلاياها الكسولة التصدي لأي التهاب بنفسها دون اللجوء لا لحبوب الخمسمية، ولا حبوب السيتامول، ولا حقن الديكلون.. ولدى الأطباء الألمان ما يعادل حبة الخمسمية بل يفوقها سحراً وهو “شرب الماء” فإذا كان رأسك يؤلمك عليك بشرب الماء، وإذا اصبت بموجة كريب حادة عليك أن تكثر من السوائل وخاصة الماء، وإذا شكوت ألماً في المعدة فالماء هو الحل، وإذا ارتعش جسدك كسياسي أثناء عزف النشيد الوطني كما حدث للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فشرب ثلاثة أكواب من الماء قادرة على حل المشكلة حسبما صرّحت المستشارة في المؤتمر الصحفي الذي أعقب نوبة الارتعاش الأولى.
والماء الذي جعل الله منه كل شيء حي يصاحب الألماني دائما، حيث لا تخلو حقيبة ظهر أو يد من زجاجة ماء سواء صيفا في درجات الحرارة التي بلغت هذا العام 39 درجة، أو شتاء حيث تبلغ درجة الحرارة أحيانا – 20، فهو -أي الماء- يعادل “حبة الخمسمية” في بلادنا والدواء الذي ينصح به كل أطباء ألمانيا، ومواطنوها.. حتى أن البعض من القادمين الجدد صار يفضل زيارة طبيب من أصول عربية لعلّ أخ العرب الطبيب يتغاضى ويصف له مضادً للالتهاب.. أو على الأقل دواء مشابه عدا شرب الماء!
Photo: Khalid Alaboud