ثلاثة مسعفين يحاولون محاكاة “إنعاش القلب” CPR لدمية أطلقوا عليها إسم أحمد، ينادونه باسمه يتناوبون التدليك القلبي مع العد حتى 10، حتى جاء آخر المسعفين وظل يحاول إنقاذ أحمد مع تكرار الدورة ويبدو أنه نسي أنها محاكاة حتى نبهه زملاءه “حسن توقف توقف” لتناديه أنيتا فيدمان- ماوتس ضاحكة Alles Gute. غرفة التدريب على الانعاش القلبي واحدة من ثلاث غرف أخرى يتم بها تدريب الممرضين الأجانب، بمدرس التمريض بالمشفى الجامعي في توبنجن، حيث كانت المحطة الأخيرة لوزيرة الدولة لشؤون الاندماج والتي صاحبها مفوض الرعاية الصحية للحكومة الاتحادية أندرياس فيسترفيلهاوس.
سد فجوة الدراسة النظرية للمتدربين
بدأ المشروع منذ خمس سنوات في 2014 لتأسيس مدرسة تمريض تعني بتدريب الأجانب في مشفى توبنجن الجامعي، حيث شارك منذئذ حوالي 200 محترف دولي في البرنامج، يتعلم المتدربون الدوليون الرعاية نظريًا وعمليًا، تقول مسئولة شئون العاملين زيبيلا يرجر: “إكتشفنا أنه في البلدان حيث يأتي المتدربين الدوليين لا يدرسون الرعاية الصحية بشكل نظري فهم في الغالب يذهبون للجانب العملي مباشرة”. يتم التدريب على دمى أو حتى بين المتدربين بعضهم البعض، يتعلمون كيف يتم إعداد المريض وتجهيزه، والعناية بالفهم ونظافته، وإنعاش القلب وغيرها من أمور الرعاية الصحية الشبيهة التي حددها مكتب العمل الفيدرالي في 13 ولاية ألمانية من أصل 16 (عدا ساكسونيا وساكسونيا أنهالت وتورينجن).
سد العجز في التمريض
وحول أسباب إنشاء المشروع، قال المدير الطبي بروفيسور ميشائيل بامبيرج بأن السبب الرئيسي هو نقص العمالة في مجال الرعاية الصحية والتي لم يعوضها استقدام العمالة قبل إنشاء المشروع حيث يرحل معظم المتدربين بعد فترة التدريب عائدين إلى بلدانهم خاصة الإيطاليين، بالإضافة لسبب وصول العديد من العاملين لسن التقاعد، وأجازاة الأمومة. وهو ما دفعهم لإنشاء المشروع الذي يشمل بالإضافة إلى تدريس الرعاية الصحية والتمريض، برامج تعليم اللغة وكورسات الاندماج حيث أتى معظم المتدربين خلال سنوات المشروع من كل من إيطاليا (106 غادر 38% منهم)، ثم الفلبين (85 غادر 14% فقط) ثم البلقان (51 غادر 20%) يأتي بعد ذلك الهند ونيبال وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وشرق أوروبا ثم أمريكا الجنوبية. وتشير الإحصائيات أن نسبة البقاء خلال فترة المشروع (بعد التدريب الذي يستغرق 18 شهر) بلغت 75% وهو ما اعتبره القائمون على المشروع بمثابة نجاح لمشروعهم.
مابين الهروب من السعودية والعودة إلى نامبيبا
أكثر من متدربة ومتدرب قالوا أنهم جاءوا من المملكة السعودية العربية خاصة الفلبينيات، تجلس إحدى المتدربات الفلبينيات التي تمثل دور المريض بينما تتدرب عليها زميلتها في غرفة العناية بالفم، لتتوجه إليها وزيرة الدولة لشئون اللاجئين بالسؤال حول لماذا أتت إلى ألمانيا وتركت السعودية لتجيب السيدة لأسباب كثيرة أهمها عدم تمتع المرأة بحقوقها كما هو الحال في ألمانيا، ثم صمتت، فشجعتها فيدمان على الكلام: “أنتِ الآن في بلد حر يمكنك الحديث” فتحدثت عن إجبارهن على ارتداء الأسود في الشوارع وغيرها من الأمور الشبيهة، لذا هن يردن أن يكملن حيواتهن هنا. أما الناميبية فلورينس كابو والتي تعمل بالمشفى قالت بأنها تنوي العودة إلى بلادها فهي تريد وبشدة أنتنقل الخبرات التي تعلمتها في مشفى توبنجن إلى ناميبيا حيث لا يوجد لا تجهيزات ولا غرف كافية للتخصصات والفحوصات المعينة.
اللغة والثقافة والتمريض
تقول مايا دوبريكيك متدربة من مقدونيا بأن الأمر ليس بالسهل “فلابد من تعلم اللغة لأننا نتحدث مع الناس، لكن الأمور آخذة في التحسن فبعد شهرين فقط من بدء التدريب تحسنت لغتي كثيرًا”. وأضافت المعلمة المصاحبة لهن بأنها لا تيأس من كثرة ما يقولون لها “لم نفهم” تقول: “يمكنني أن أكرر 20 مرة بلا ملل، وهنا يحدث الاندماج الحقيقي”. أما حول شعار رعاية الثقافة فيقول رئيس قسم التمريض وعضو مجلس إدارة المشفى كلاوس تيشلر، بأن “الإنسان ككائن اجتماعي يتأثر بثقافته، ويتعامل مع أناس آخرين ويتصرف في الحياة بناء على هذا التؤثر، ربما يكون التمريض عابر للثقافات لكن مازال مهنة تتم بين بشر متأثرين بثقافات، لذا نقوم بالتوعية بالذات وبالآخر، وبأهمية فهم الآخر كإثراء وليس تهديد”.
رغم مميزات المشروع المتمثلة في الرعاية المكثفة بالممريض من خارج ألمانيا ودعمهم أثناء الاندماج وتكوين فريق عمل جيد وارتفاع نسبة الاستبقاء التي وصلت إلى 75%، لكن ما يزال هناك أمور تحتاج إلى تدخل من السياسيين، كتقليل آثار البيروقراطية الألمانية ويعتبر كلاوس تيشلر قانون العمالة المهاجرة الجديد بمثابة خطوة في هذا الاتجاه، كما أن السكن يظهر كمشكلة تواجه العمالة المهاجرة حيث ارتفاع الاسعار، أضف إلى ذلك اضطرار الراغبين من الممريض بالخارج للقدوم إلى ألمانيا للانتظار وقت طويل للحصول على التأشيرة من السفارات الألمانية المختلفة حول العالم، بالإضافة للاحتياج للمزيد من الدعم المادي لأجل تأهيل الممرضين الدوليين أو الأجانب كما يطلق عليهم القائمين على المشروع.
Photo: Asmaa Yousuf